2012-05-17

لحظات أمل بقلم هاجان هاشم

استيقظت لمياء من نوم عميق  فقد كانت مرهقه وبشده من ضغوط الحياة والعمل وأخذت تتمدد في سريرها ثم فتحت عينيها على وسعها وفكرت اليوم أكملت عامي الخامسة والثلاثين اليوم هو عيد ميلادي وذكرى وجودي في هذه الدنيا , وهنا تعجبت  كيف تمر السنين  تقلبت  في مكانها حتى عادت لتستلقي على ظهرها وتحدق في سماء غرفتها وهنا  عادت ذكرياتها إليها , عندما كانت في  الثانية والعشرين وكأن الزمن توقف بها هناك,  رأت نفسها ترتدي فستان صيفيا ازرق قصير الأكمام وتركض في حديقة منزلها وتضحك ودقات قلبها تتسارع ليس لأنها تركض بل لأنها تنتظر اتصال احمد وكلماته المعهودة في أول كل اتصال
اشتقت إليك يا عمري .                            
عند هذه الذكرى بالذات انتفضت وقامت من سريرها وهزت رأسها يمينا ويسارا ترتعد من فكره الذكريات وأجبرت نفسها على النهوض وذهبت للاغتسال وارتدت ملابسها على عجالة فلم يتبقى وقت لموعد تسليم أوراق البحث وشرح تفاصيل المشروع الذي تعمل عليه وقفت أمام المراه  وقامت بوضع مساحيق التجميل بشكل خفيف فهي لم يوما التكلف في مظهرها , نظرت لنفسها ومازلت مستغربه أنها أكملت عامها الخامسة والثلاثين وفكرت في احمد مره أخرى  ارتسمت على وجهها نظرة غضب فليس وقتك يا أحمد لتعود ذكراك إلى حياتي خرجت مسرعه من غرفتها
وأعطت قبله سريعة لوالدتها إلي صرخت : لميا ألن تفطري كعادتك
ردت وهي تركض أمي لقت تأخرت كالعادة وابتسمت وانطلقت للخروج من المنزل لتكمل يومها في العمل وربكته
عندما وصلت إلى شركة الإعلانات التي تعمل فيها كمديره لقسم الموارد البشرية  اتجهت الى مكتبها في اخر الرواق وسحبت كرسيها وبدأت بتصفح طلبات التقدم لوظائف في الشركة
دخلت عليها سارا سكرتيرتها بخطوات بطيئة متثاقلة وقالت بصوت هادي وعلى وجهها ابتسامه خفيفة  : أستاذة لمياء صباح الخير لقد طلبت منهم إعداد قهوتك  وهنا رفعت لمياء وجهها من على كومة الملفات وأزاحت شاشة الاب توب من أمامها نعم سارا أشكرك لا تعرفي كم احتاج إليها كعادتي
سارا : أستاذة لمياء أريد أن أذكرك باجتماعك مع الأستاذ خالد اليوم عند الساعة العاشرة بالضبط
لمياء وكأنها قد نست تماما أمر ذلك الاجتماع أجل فعلا لقد نسيت ! هل من أمر أخر يا سارا لتقوليه
سارا : كلا هذا كل شئ عن إذنك
خرجت سارا مسرعه إلى مكتبها وجلست تحدق إلى سقف الغرفة وتفكر وقد كانت مرهقه وعلى وجهها علامات السهر فلم يغمض لها جفن طول البارحة بعد أقفلت سماعة الهاتف في وجه هشام  وهذه المرة الأولى التي تقوم بها بذلك ولكنه قد استفزها ببروده وعند هذه الفكرة رن جرس الهاتف وفزعت سارا وردت بسرعة
سكرتارية مكتب الموارد البشرية من معي ؟
وفي أروقة الشركة كان هناك هرج ومرج والكل يستعد للاجتماع الكبير لتقيم أداء الموظفين فهناك من سيأخذ حوافز وهنا من سيأخذ شئ أخر والكل كان في قمة التوتر
ولكن عند الساعة العاشرة بالضبط كان الكل يجلس على طاولة الاجتماعات الكبيرة في انتظار دخول المدير العام الأستاذ خالد وبعد 5 دقائق دخل كعادته متأنق متعطر على وجهه نظرة جديه لا تخلو من العصبية فهو في أخر المطاف مدير وله كل الحق وألقى عليهم السلام ونظر إلى جانبه حيث جلست لمياء نظرة خاطفه ثم إلى سكرتيرته وقال بصوت هادئ لنبدأ .
بعد انتهاء يوم عامل صاخب جمعت لمياء أوراقها ووضعتها على جانب المكتب وارتدت معطفها المخملي فقد كان الجو شتاء في منتصف يناير واحتمال تساقط الأمطار مازال كبيرا , هنا خرجت مسرعه وألقت سلام  على سارا التي مازالت حالتها غير مستقرة وفي قمة التوتر , وقد انتبهت لمياء لذلك منذ أول اليوم فسألتها ما بك سارا هل أنت مريضه ؟ سارا بارتباك كلا ولكنني لم انم جيدا البارحة ,
لمياء : إذن هيا  لا داعي للتأخر لقد انتهينا من يوم عمل أخر عودي إلى منزلك وخذي قسط طويل من الراحة وابتسمت لمياء وخرجت لتعود إلى منزلها وهي تفكر ترى هل سيكون لي حفلة عيد ميلاد اليوم ؟

ولكن سارا التي لم تتزحزح من مكانها وكانت تحدق تارة الى جوالها وتارة الى سقف مكتبها وهي تفكر في هشام لماذا لم يتصل ليصالحها لقد فقدت أعصابها معه هي تعترف بذلك لقد كنت في حالة ملل منه ومن تصرفاته معي ألا يحق لي ان اخطأ وهو يسامحني ألا يحق لي أن اغضب وهو يهديني ألا يحق لي أن أغضب منه وهو يصالحني ويحتويني لماذا أنا افعل معه كل ذلك وهو لا يفكر بأن يتعامل معي ربع ما أتعامل معه اااااااااااه وهنا صرخت بحنق
ااااااااه من الرجال كلهم مريضين نفسيا وأخذت حقيبتها وخرجت مسرعة ومازالت تكلم نفسها لو جلست ثانية أخرى انتظر منه تصرف في ذلك المكان اللعين سوف اجن وافقد أعصابي ويقولوا عني مجنونة الشركة الأفضل أن أعود إلى بيتي وأنام ولا أفكر فيه ذلك ال ..... اممممم فلأصمت أفضل لي. 

                                                                        (2)

فسارا كانت صبية في الثالثة والعشرين تخرجت مؤخرا من جامعتها بتقدير مرتفع وكانت جميله بشكل هادئ تلفت الأنظار بوجهها المبتسم دائما وخفة روحها وتفكيرها العقلاني عندما قامت بعمل مقابلة العمل لدى لمياء أحبتها الأخيرة وارتاحت إليها و سارا  لم تخذل لمياء منذ أن عملت كمساعدة لها .

وفي نفس هذا الوقت مازالت لمياء في طريق عودتها لمنزلها تفكر بأني لا أريد الاحتفال بعيدي لقد كبرت سنة لماذا الناس مصريين على هذه الفكرة السخيفة وهي إعلام العالم بأنهم قد كبروا سنة وتذكيرهم بأنهم لم يحققوا شئ من أحلام الطفولة والمراهقة .
وصلت لمياء إلى منزلها وشمت رائحة طيبة لابد وأن والدتها قامت بإعداد طبقها المفضل وهو الدجاج على طرقة الشيش طاووق وابتسمت لمياء وأسّرت في نفسها سحقاً لسنين عمري الكثيرة سوف استمتع بيومي واتجهت إلى المطبخ وقبّلت و أمها وجلسوا على الطاولة يتجاذبوا أطراف الحديث وكل واحده تخبر الثانية تفاصيل يومها , ذهبت لمياء بعد ذلك لترتاح قليلا استعداداً لحفلتها بالليل .

مرت ساعات النهار سريعة وامتلئ المنزل بالأقارب والأصدقاء المقربين إلى لمياء ارتدت لمياء فستان أبيض طويل بلا أكمام وأسدلت شعرها على  ظهرها الذي قد وصل إلى المنتصف فهي منذ فتره لم تقم بقصه  لقد وضعت لمياء ميك اب هادئ فلم تعتاد يوماً أن تملئ وجهها بالمساحيق وكانت ألوانها جذابة متناسقة مع ملامحها الطفولية , ولطالما كانت كلمات الغزل من نصيبها   , جلست على كرسي في أخر الرواق مطل على الصالة الكبيرة حيث كان المعزومين يرقصوا على أنغام الدي جي الصاخب فقد أصرت شقيقتها الصغرى روان على حفلة دي جي لترقص وأقنعتها بأن ليس كل يوم لدينا حفلة وضحك وأخذت لمياء تراقب المدعوين وعلى وجهها ابتسامة عريضة فقد حفلة ناجحة بامتياز.

في هذا الوقت مازالت سارا  في صراع مع مشاعرها تجاه هشام فهي لم تنم ولم ترتاح ومازلت تفكر في كيف تتصرف معه فعلاقتها معه اعقد من أن تكون علاقة طبيعية جميلة تمر في حياة أي فتاة هي تحبه وتعشقه بجنون وتغار عليه وتشعر تجاهه بكل مشاعر المحبوبة ولكنهم لم يتصارحوا بشأن نوعية علاقتهم
لقد كانت صداقه اقرب منها للحب وكان سبب خلافها الأخير معه أنها رأتها يكلم فتاة أخرى ويضحك معها ويلمس شعرها وهنا لم تستطيع تحمّل البركان الذي انفجر داخلها وافتعلت معه مشكلة من لا شئ بخصوص أوراق كان من المفترض أن يحضرها إليها تخص دراستها ووقف هشام مشدوهاً من عصبيتها الغير مبررة  وحاول أن يهديها ولكنها استمرت في ثورة غضبها وتركته وذهبت ومن يومها لم يتكلما ولم يحاول حتى أن يسأل عنها إذا هدئت أو يسأل حتى عن حالها أو حال أهلها وهذا ما يجعلها تكرهه وتأخذ عهداً على نفسها  أن تتركه و أن تكمل طريقها من غير صداقته أو زمالته أو أي شئ يخصه , ولكنها في كل مرة كانت تعود هي لتجدد علاقتها معه وتعود لتتعلق به.
خرجت سارا من غرفتها لأنها لو استمرت هناك لأحست بانهيار عصبي من كثرة التفكير أمسكت هاتفها النقال وذهبت للحديقة لتستنشق الهواء البارد الذي لا طالما أحبته وأحبت معه هذا الطقس نظرت إلى السماء
وقالت لابد أنها ستمطر السماء ملبده بالغيوم يا رب اجعل هشام يتصل بي يسأل عني يقوم بأي خطوة فقد ل أعرف أنني لا أضيع وقتي في حبٍ مستحيل وتنهدت بقوة واستمرت حالتها هذه لساعة وهي تنتظر ولكن من غير أي فائدة أو بارقة أمل شدت مئزرها عليها وارتجفت من البرد وقامت من جلستها ثم دخلت إلى المنزل لتجد والدتها أمامها غاضبة عليها سارا ؟ ألم اقل لك دائما ألا تخرجي إلى الحديقة في مثل هذا الجو هل تريدي أن تمرضي ؟
ردت عليها سارا ماما آسفة ولكني كنت بحاجة للهواء النقي أرجوك لا تغضبي مني
لست غاضبة ولكنني خائفة عليكِ أنت تعرفي أن هذا الجو ممرض ولا أستطيع رؤيتك مريضة
ماما إن شاء الله لن امرض لقد أثقلت في ملابسي وهنا ركضت سارا من أمام والدتها لتهرب إلى غرفتها لتحاول النوم ولنبدأ يوماً جديداً.

بدأت  لمياء يومها  كعادتها بفنجان القهوة ساخن وتصفحت طلبات المتقدمين للعمل في الشركة واليوم سيكون المقابلات الشخصية معهم لاختيار بعض الأشخاص في وظائف تحتاجها الشركة , طرقت سارا باب المكتب ودخلت معلنة بداية المقابلات الشخصية.
وكان المكتب مكتظ بالمتقدمين للعمل وسارا مشغولة في ترتيب الأدوار من جاء مبكراً يدخل ليقابل لمياء أولا وهكذا
وفي  ركن المكتب كان يجلس شاب أنيق يرتدي بدلة رسمية نظراته كانت قوية إلى سارا وكان يبدو واثق من نفسه بشدة ولاحظت سارا نظراته إليها وشعرت بالضيق فهي لطالما كرهت نظرات الرجال إليها لأنها كانت تعتبر نفسها ملكاً خاصاً لهشام  بعد نصف ساعة نادت سارا اسم هيثم خليل وقف الشاب الذي كان ينظر إليها وتوجه إلى مكتبها شكراً لكٍ يا آنسة  ثم توجه إلى مكتب لمياء ارتجفت سارا لا تعرف لماذا ربما لنظرته القوية إليها ربما لجرأته في التعامل معها ربما لأنه لم يكن يهتم لأي شي حوله ولكنها خافت وأحست بارتباك عادت بعده بسرعة لتهدئ من نفسها وتركز على عملها

                                                                         (3)

في مكتب لمياء دخل هيثم بخطوة هادئة وألقى السلام وأشارت له لمياء ليجلس رفعت لمياء نظرها من جهاز الابتوب وبدأت بالكلام عن دراسته وخبراته ومهارته واللغات التي يجيدها, سألته لمياء : هيثم لماذا تريد العمل لدينا
نظر هيثم إلى لمياء في عينيها مباشرة أجابها بصوت عميق وثقة كبيرة أستاذة لمياء إن العمل في شركة كبيرة مثل شركتكم يتيح لي فرص كبيرة لأوسع خبرتي واكبر شبكة علاقاتي وربما في المستقبل اكون مدير لشركتي الخاصة
أعجبت  لمياء بجرأته وثقته وخبرته ودراسته لقد كان شخص ملفت ومفيد للعمل في الشركة ووضعته في بالها لتزكيته وترشيحه للعمل وبقوة .

مازلت سارا  مرتبكة فقصتها مع هشام لابد أن تنتهي اليوم لا تستطيع التفكير أن تبعد عنه ولابد انه يعيش يومه بشكل طبيعي ويذهب للعمل في المستشفى حيث يعمل كطبيب مقيم هناك ويقابل أصدقائه وزميلاته من الطبيبات والممرضات فهي مازالت تسأل نفسها كل يوم سر جاذبيته للفتيات رغم أنها واحدة منهن إلا إنها دائماً ما تنسى ذلك  هنا غضبت من جديد لمجرد التفكير بكل هؤلاء الفتيات من حوله تناولت هاتفها النقال من حقيبتها
ألو رد هشام بصوت مرهق ونصف نائم ألو من معي
سارا هشام لم أغيب عنك سوى أسبوع 
هشام سوستي أكيد لم أنساكي ولكني تقريباً نصف نائم
سارا صوتك متعب !
هشام اجل كثيراً لقد سهرت يومين في المستشفى سارا كان أسبوع حافلا جداً لكني اشتقت إليكِ وبشدّة
سارا:  اعتقد نعم اشتقت إلي فقد اتصلت وسألت عني ؟
هشام : أنت تعرفين أني لا أشتاق لأحد مثلما اشتاق إليكِ وضحك ضحكة خفيفة
ابتسمت سارا وأجابته بسرعة هشام وأنا أيضاً اشتقت إليك كثيراً ولا أريد أنهي الاتصال
هشام لا تنهيه إذن ودعيني استمع لصوتك أطول وقت ممكن
صمتت سارا واحمّر وجهها خجلاً
هشام حياتي  أين ذهبتِ ؟ سارا : إلى بيتنا وضحكت  وضحك هشام ثم رد عليها هيا حددي وقت لنلتقي لدي كلام كثير وأخبار أكثر.
وهنا عادت سارا لترسم فصلاً جديداً مع هشام.

وعادت لمياء  لمنزلها منهكة وألقت بجسدها على الكنبة ولم تشعر إلا ووالداتها تلعب بشعرها وتقول لها : لمياء شعرك قد طال وأنا أحبه هكذا 
جاءت روان وهي تحمل جهاز الابتوب لتجلس على الكنبة المجاورة لامها ولمياء وتقول ما شاء الله ما هذا الحب كله ل لولو وأنا يا ماما أين نصيبي  ؟
أجابت والدتها بابتسامة رواني لكي الحب كله أنت أخر العنقود .
لمياء حتى نصيبي من الدلع لا احصل عليه روان ماذا تفعلين 24 ساعة أمام الابتوب ؟
أجابت روان بكل فخر أكيد على الفيسبوك موقع الثورات العربية ومكان تغيير التاريخ
لمياء هل افهم من ذلك أن ميولك سياسيه ل اهرب من هنا قبل أن أجد نفسي في السجن
روان اطمئني أنا تخصص حب وغرام ومازلت ابحث عن نصفي الثاني
ضحكت لمياء ووالدتها
وهنا كتبت روان حالة : مازلت ابحث عنه !
رد عليها وليد : من هو ؟
لم تتمالك روان نفسها من الفرحة لأول مره يرد وليد على حالة لها منذ أضافته بعد لقائها به في  بيت صديقتها سهى.

استيقظت لمياء من نومها مبتسمة فاليوم هو عطلة نهاية الأسبوع , أخيرا فهي بحاجة لها وتريد ان تخطط مع والدتها وشقيقتها للخروج أو عمل أي شئ لتغير الروتين فمنذ هجرة أخوها فيصل إلى الولايات المتحدة منذ 5 سنوات والمنزل يبدو فارغ إلا من حركة روان في بعض الأحيان , قامت لمياء ولبست مئزرها لتدفي جسمها من برد الجو وذهبت إلى المطبخ وقامت بعمل القهوة لها ولوالدتها وخرجت إلى الصالون حيث وجدت أمها تشاهد التلفاز
ماما تفضلي قهوتك ردت عليها بصوت خافت شكرا حياتي
ماما ما رأيك أن نخرج اليوم لمول سوف أخذك أنت و روان للتسوق وتغيير جو
ردت والداتها فعلاً كلنا بحاجة لتغيير جو المنزل ورؤية وجوه جديدة
لمياء ولنتناول طعام الغذاء بالخارج أيضاً
وبالفعل قامت لمياء بإخبار روان للاستعداد للخروج وتمضية يوم خارج المنزل
                                                                          (4)

في هذا الوقت كانت سارا ترتدي ملابسها للقاء هشام كانت في قمة سعادتها لم تضع سوى احمر شفاه نظرت إلى عينيها في المراّه وكانت تلمعان حتى هي قد رأت لمعتها ابتسمت ولبست معطفها وأحضرت حقيبتها ثم خرجت مسرعة أوقفت سيارة أجرة وطوال الطريق كانت تحضر كلامها مع هشام والمواضيع التي سوف تناقشها معه سوف تكلمه عن السياسة والثورات والحكام العرب وعن الشباب وعن أخر العلاجات الطبية  وعن أخر أغاني أليسا ونانسي عجرم فهو يحبهم وعن أحوالها وسوف تضحك وتبتسم هو يحب ضحكتها كثيراً ودائما يخبرها انه يضحك لمجرد رؤيتها تضحك أعادت سيناريو لقائها في رأسها مراراً فهي دائماً تفعل ذلك وفي كل مره ترتبك وتنسى كل ما خططت له ويكون لقائهما عفوياً ولكنها تحب فعل ذلك لتمضية أكبر وقت  معه حتى لو في خيالها . 

وصلت سارا إلى الكوفي حيث اعتادت رؤية هشام هناك رأته جالساً بجانب الشباك المطل على الشارع حيث يحب أن يجلس دائماً وقد كان يلعب في هاتفه النقال رجف قلبها كعادتها في كل مره تراه فيها ابتسمت وذهبت من خلفه ونادت عليه بصوت خافت هشومي
التفت هشام إليها وقف من مكانه  وكان يبدو في قمة سعادته حبيبتي تعالي وامسك يدها وأجلسها بجانبه وقال لها بصوته العميق سوستي هل يعقل أننا لم نرى بعضنا منذ أسبوعين كاملين ؟
ردت سارا بحياء ولكنك أنت من كنت مشغول  حتى أنك لم تسأل عني بمكالمة أو رسالة .
نظر إلي عينيها مباشرة وابتسم وهنا نسيت سارا كل الغضب أو الملامة التي أحست بها تجاهه في يوم من الأيام.

عادت روان من مشوار التسوق والغداء الخارجي وأسرعت إلى الابتوب وفتحته كتبت حالة
لقد كان يوماُ جميلاً مع عائلتي ! انتظرت قليلاً وفتحت الدردشة وجدت وليد ثم أغلقتها بسرعة وقالت بصوت مرتفع إذن أنت هنا لماذا لم تعلق على حالتي  ترى هل تكلم صديقاتك وتقضي معهم  وقتك وأنا كالمجنونة أفكر فيك طول يومي لا يعنيني ترد علي أو لا أقفلت الجهاز وذهبت روان لتغسل وجهها وتلبس ملابس البيت ثم خرجت لتجد والدتها تكلم خالتها في الهاتف وبحثت عن لمياء لتجلس عندها وتتجاذب أطراف الحديث معها .

كان يوم حافل في مكتب لمياء لديها اجتماع خارج الشركة ونادت على سارا ليخرجوا سوياً إلى قاعات الاجتماعات في الهولدي إن ورافقهم هيثم الذي كان يعمل  في قسم العلاقات العامة ,وخرج الثلاثة سوياً وطول الطريق لم ينزل هيثم عينيه من على سارا التي شعرت باستياء وكانت متجاهلته تماماً وكلما التقت نظراتهم أشاحت بوجهها عنه وتأففت حتى أنّ لمياء سألتها ما بكِ يا سارا  هل أنت متضايقة من شئ  أجابتها سارا كلا لا شئ فقد أحسست أن الطريق طويل ردت لمياء الطريق ليس طويل ولكن الزحمة خانقة .
وكان هيثم يتابع حديثهما بابتسامه خفية وهنا أشركته لمياء بالحديث حيث سألته هيثم اخبرني هل تعتقد بأننا سنعيش في يوم على المريخ فأنا أشعر أن الأرض لم تعد تكفينا وضحكت أجابها هيثم أستاذة لمياء إن المريخ سيشتكي من الإنسان صدقيني وضحكت لمياء ولكن سارا لم تبتسم حتى وظلت ساكتة طول الطريق حتى وصلوا إلى قاعة الاجتماع في الهولدي .

جلس جميع ممثلي الشركات على الطاولة الطويلة بعد أن ألقوا السلام  على بعضهم وتحدثوا في  بعض المواضيع وهنا فتح الباب ودخل رجل يبدو عليه الهيبة طويل ويرتدي بدلة سوداء يبدو في الخامسة أو السابعة والثلاثين  ألقى السلام وجلس في مقابل لمياء وسارا وهيثم سارا ابتسمت وقالت بصوت منخفض أستاذه لميا يبدو صديقنا لديه واسطة قوية يأتي متأخراً ويجلس والكل يرجب به با لإضافة انه وسيم أيضاً وتبدو شخصيته وقوية رفعت لمياء نظرها وفجأة ارتجفت بشده وتغير لون وجهها لم تستطيع أن تأخذ نفسا عميقاً رأته أمامها بعد ثلاثة عشر سنة أحمد نعم هو كيف يمكن أن تخطئه كيف لا تعرف تفاصيل وجهه وملامحه صحيح أن شعره قد خالط سواده  الحالك شعيرات بيضاء وقد زاد وزنه قليلا إلا انه هو احمد كيف لا تعرفه وقد أمضت سنوات عمرها الماضية تحن إلى لقائه وتنفض كل فترة غبار الزمن من على ذكرياتها معه التقت نظرتهما حتى هو قد عرفها وأحس بالارتباك ثم عاد سريعاً ليركز في الأوراق التي أمامه  أنزلت لمياء عينيها وحاولت جاهدة السيطرة على كل ذكرياتها وكل مشاعرها معه وركزت على الاجتماع وكلام المدراء فهي ستقوم لتلقي كلمة ولا مجال ألان  للتراجع أو الارتباك أو الوقع في أي خطأ استخدمت كل خبرتها وقامت للتحدث بطلاقة عن شركتها وعن الجديد في مجالها وكيف تضع الاختبارات لاختيار الموظفين الأكفأ كل ذلك فعلته على مرأى من احمد .
بعد انتهاء الاجتماع انصرف الكل إلى الغداء والتحدث بمواضيع العمل والحياة وتأثير الثورات العربية والتطورات العالمية على مجالات العمل المختلفة وقفت لمياء ومعها كأس من الماء بجانب عمود من أعمدة القاعة العالية مسندة ظهرها عليه وكانت نظراتها حائرة تبحث عنه بين الزحام , لمياء كيف حالك ؟ جاءها صوته من خلفها عدّلت وقفتها والتفت إليه لتلقي نظراتهم بعد سنين البعد بينهم  تذكرت حبها القديم ورجفتها عند لقائه وابتسامته إليها تذكرت صوته عندما كان يناديها حبيبتي رجع بها الزمن سنين وسنين إلى الوراء احمرار وجهها وتسارع دقات قلبها كل ذلك رجع إليها وكأنها لم تبعد عنه يوم واحد  أخفضت رأسها وأجابته بصوت منخفض الحمد لله بخير . وصمتت لم تستطيع سؤاله عن حاله عاد ليسألها وكيف حال والدتك وفيصل و روان ؟ صمتت قليلاً ثم ردت بخير ماما الحمد لله أدعو الله كل يوم أن يطيل بعمرها و  فيصل قد هاجر إلى أمريكا وتزوج  أما روان فقد أصبحت صبية جميلة في  سنتها الأولى في الجامعة وأنت كيف حال اهلك ؟ أجابها بهدوء بخير كلهم بخير الحمد لله أمي وأبي مازالوا في المنزل القديم وإخوتي تزوجوا , لمياء فجأة وأنت ؟ و أنا أيضا  تزوجت ولدي بنتين ليان ولينا هنا قد غصت لمياء وكتمت دمعة وقفت في عينها ليان ولينا ألم يخبرها بأن أسامي أبنائهم ستكون بأول حروف اساميهم اذا كانوا صبيان بالألف وإذا كانوا  بحرف الام  إذن هي الحقيقة احمد لم يعد لها أصبح لغيرها ونظراته وكلماته همساته وأحضانه لغيرها هي الحقيقة وقفوا بصمت فترة لم يعرف كلاهما ماذا يقول للأخر.

جلست سارا أمام طبقها الفارغ إلا من بعض لقيمات من الأرز و ورقات الخس مازال فكرها مشغول بهشام ومبتسمة وهي تتذكر كل كلمة قالها لها في مقابلتهم الأخيرة جلس هيثم مقابلها قائلاً لها سارا تبدين سعيدة !
رفعت رأسها وابتسمت إليه ابتسامة عذبة أجل يا هيثم الحمد لله . هيثم أتمنى أن تكوني هكذا دائماً فأنت تستحقي كل الخير وكل السعادة صدقيني, سارا هيثم شكراً لك أنت أيضا تستحق الأفضل كانت سارا في مزاج جميل مما أعطى فرصة لهيثم للتحدث معها بهدوء بخلاف المرات السابقة حيث كانت سارا دائماً تصده تحدثوا عن حياتهم وأهلهم وأحلامهم اخبرها هيثم أنه في السابعة والعشرين وبأنه يعمل منذ أن كان في الثامنة عشر وبأن ذلك جعله يشعر بأنه اكبر من عمره دائماً اخبرها أنه قد أحب مرتين في حياته وأنّ احدهما كانت ذكرى أليمة ولكنه أكمل طريقه وتعلم أن الحب والكره في حياة الإنسان مثل الحلم قد يكون جميل ويتحقق أو بشع  و هنا لا بد أن ننسى ونكمل من غيره.
                                                                       (5)



انسحبت لمياء من أمام احمد بعد أن ودعته وقد عرفت بداخلها أنها سوف تراه كثيراً مما أفرحها وأحزنها في نفس الوقت توجهت إلى الطاولة حيث تجلس سارا بمرافقة هيثم نظرت إليهم وابتسمت لهم تبدوا منسجمين ليس كعادتكم في وقت ما اعتقد أنّ توم وجيري يعملان معي  , رد عليها هيثم أنت تعرفين أستاذة لمياء أنا دائما مسالم ولكن سارا هي من تفتعل المشاكل وهنا رفعت سارا صوتها وقالت هيثم اسكت أنا دائما مسالمة ولا تخرج عني إشاعات وضحكوا جمعياً وخرجوا من الفندق ليعودوا  إلى مقر الشركة.     

عادت لمياء إلى المنزل ودخلت إلى غرفتها مسرعة جلست أمام المراّه ونظرت إلى نفسها كان يوماً غريباً هل يعقل حقاً أنها قد التقت احمد وتحدثوا .
في هذا الوقت كانت روان تتحدث مع صديقتها سهى على الهاتف سهى كيف حال وليد هل هو مازال على قيد الحياة ؟ سهى تضحك لماذا تسألي ألا تريه على الفيسبوك دائماً هناك إذن هو مازال على قيد الحياة
ردت عليها روان بعصبية مكبوتة حقاً هو هناك ولكني اكتب دائماً لا أرى منه أي ردة فعل هل يعاني من تخلف عقلي أم ماذا ؟ سهى وهل تحدثتي معه في دردشة الفيس أو أي مكان خاص  ؟ روان كلا أنا لا أحب فتح الدردشة . سهى : كيف سيتحدث معك ويكتب لك أو يعلق على أي شئ تفعليه إذا لم تتحادثوا وتتعرفوا على بعضكم يا ربي ارحمني صديقتي تعاني من غباء مستفحل !
روان : يعني اكلمه أنا ؟ ولكني لا أفعل ذلك ! سهى : اسمعي شخصية وليد تحتاج إلى فتاة تستطيع أن تتعامل مع الشاب وتعطيه أهميته إذا كنتِ مهتمة به لا بد و أن تركضي ورائه  في البداية هذه هي حال الدنيا لقد انقلب الوقت الذي يجري فيه الشاب وراء البنت
روان ولكن دائماً كانوا يركضون ورائي حقاً لا أبالغ دائما كانوا هم الذين يبدءون بالحديث معي
سهى : هناك أنواع من الشباب النوع الأول يريدك ولا ترديه يركض ورائك هو ويبدأ بالحديث معك
الثاني ترديه ولا يعريك أي اهتمام إلا إذا استطعتي لفت نظره ووليد للأسف من النوع الثاني , فهل أنت مهتمة ؟
روان أجل كثيراً لا اعرف لماذا لفت نظري حتى الحالات التي يكتبها على حائطه تلفا نظري دائماً أشعر أن تفكيره كبير لا يشبه شباب هذه الأيام التافهة وبالإضافة تعجبني صوره كثيراً
ضحكت سهى على صديقتها .

حاولت لمياء جاهدة أن لا تستلم لأفكارها مع احمد وكلما يتشتت تفكيرها عن العمل الذي أمامها كانت تعاود التركيز وتقنع نفسها أنه لا يوجد مجال للعودة لسنين الوراء فهو مجرد لقاء عابرو انتهى  واحمد تزوج ولديه حياته وهي لديها حياتها وقد نسيت الحب وكيف تكون في علاقة رغم أن الدقائق التي قضتها مع احمد ذكرّتها بمشاعر الحب والحنين وبرعشة القلب كيف تكون وهنا رن الهاتف المشترك مع سارا وسمعت صوتها تقول أستاذه لمياء هناك اتصال لكِ  من شخص اسمه أحمد كمال  ردت لمياء بسرعة ماذا قلتي له ؟ سارا: كالعادة دقائق ل أتأكد من وجودك
لمياء حسناً حولي المكالمة لو سمحتي .
جاء صوت احمد كعادته قوي وبثقة ألو مرحبا
ردت لمياء وحاولت أن تكون هادئة نعم
احمد: كيف حالك لمياء ؟ لمياء : الحمد لله بخير وأنت ؟ احمد: أنا بخير إذا أنت بخير.
مرت لحظة صمت ثم رجع احمد ليقول : لمياء ما رأيك أن نلتقي غداً ؟
ردت بتردد ولكن احمد ..... ثم قالت حسناً لنلتقي
واتفقوا على المكان والزمان
أقفلت لمياء سماعة الهاتف وهي مازلت مذهولة بهذه المكالمة الفجائية وكيف وافقت على اللقاء ولكنها لم تنكر سعادتها على لقائه مرة أخرى بعد كل هذه السنين على الأقل لتعرف أخباره وتعود لتملي عينيها من تفاصيله وتقاسيم وجهه لم تعلم لماذا أحست بأنها مراهقة من جديد كل ذلك منك يا احمد !

دخل هيثم على سارا في مكتبها وكانت الأخيرة مشغولة في إعداد المعلومات وإدخالها في جهاز الكمبيوتر المكتبي هيثم : سارا ماذا تفعلين ؟ رفعت سارا رأسها هيثم إنني أحاول أن أنتهي من هذا العمل المتراكم بسرعة لقد مللت
هيثم : تعرفين لقد أتيت لهذا السبب بالذات
سارا أي سبب ؟ هيثم : اسمعي لقد كان أسبوع شاق بل شهر متعب  لقد اتفقت مع بعض الأصدقاء لنخرج في عطلة نهاية الأسبوع لتغير جو العمل وتجديد نشاطنا  ما رأيك هل أنت معنا ؟
سارا : حقاً ! أين سوف تخرجوا ومن سيرافقنا ؟ هيثم لو أنا وأنت فقط ستكون عطلة نهاية أسبوع مميزة وابتسم ابتسامة خبيثة وغمز لها
سارا: لو تخرج  لوحدك أفضل لك  وضحكت .
هيثم : اتفقنا إذن وخرج هيثم من المكتب سعيداً لأن سارا كانت قد أبدت موافقتها .
أما بالنسبة لسارا فقد كانت بحاجة لتغير جو العمل وتغير جو علاقتها مع هشام الذي كان يشوبها البرود فقد كانت تكلمه بشكل دائم على الهاتف وعلى الميل ولكن كل مكالماتهم كانت سطحية لذلك كانت سارا متوترة وتشعر بالبعد عنه يوماً بعد يوم .

روان كانت في حالة عصبية غريبة فهي تكلم وليد في الدردشة ولكن كلامهم كان عبارة عن مزح وأشياء سخيفة من وجهة نظرها كانت تريد عبور العلاقة إلى مستوى جديد وفي نفس الوقت كانت يوماً بعد يوم تكره نفسها معه لأنها هي من تدخل وتحدثه ومن تكتب له على حائطه ومن تغار من البنات اللاتي يكتبن له ويستعملن كلمات حبيبي حياتي لقد اشتقت إليك في كل مره روان كانت تقرأ تعليقاتهم كانت تجد نفسها تبكي من غير معنى أو سبب واضح هل تعلقت به لدرجة البكاء من مجرد كلمات ؟ روان لم تكن تعرف هي ماذا بالنسبة لوليد وهذا ما جعل رأسها يدور وتشعر بالضياع معه  وهنا كانت لا بد أن تستشير سهى .
اتصلت روان على سهى بعد أن أكملت وصلة بكاء لأنها قد قرأت على حائط وليد محادثه بينه وبين فتاة من صديقاته اتفقوا خلالها على اللقاء , روان : ألو سهى اشعر بالألم
سهى : ما بك روان ؟  روان : لقد رأيت وليد يتفق مع صديقه له على اللقاء .
سهى : وهل لقاء لوحدهم ؟ روان : اعتقد أنهم سيلتقون مع مجموعة من الأصدقاء أو لوحدهم لا اعلم  لست متأكدة
سهى : لقد أخبرتك روان إن وليد حوله الكثير من الفتيات وإذا كان يعجبك لا بد ان تقاومي ما أنت فيه وتتصرفي ببرود وتحاولي أن تجذبيه إليك وأنت لديك كل المقومات اللازمة لذلك يكفي أن جمالك  وأيضاً روحك وأنت مضحكة واعتقد أنك تستطيعي أن تأخذيه إليك بكل سهولة ولكن الموضوع ليس سهل يجب أن يكون لديك إصرار
روان : لا أحب أن أخطط لجذب شاب إلي أشعر أنني لست أنا ولكن سوف أفعل ما قلتي ولكن سهى أرجوك كوني معي فأنا لا أعرف كيف أتصرف معه. سهى أنا معك ولكن أرجوك لا تبكي واهدئي .
اقفلت روان مع سهى وكانت مرتاحة لأن وليد سيكون لها في يوم ما .
                                                                (6)

جاء موعد لقاء لمياء واحمد استعدت لمياء مع أنها لم تنم طوال الليل  فقد تقلبت ساعات طويلة ولكن عندما استيقظت من نومها أو عندما قامت من سريرها كانت تشعر بنشاط غريب ارتدت ملابسها ووضعت القليل المكياج البسيط وأسدلت شعرها ارتدت بنلطون جينز وكنزه  ثقيلة لآن الجو مازال بارداً وضعت نظارتها الشمسية على عينيها حملت حقيتها وخرجت من البيت مسرعة للقاء احمد . 

وصلت للمطعم وجدت احمد جالس على طاولتهم ألقت التحية وجلست في مقابله , كان كلاهما مشدوداً للأخر ليعرف إخباره أحواله تفاصيل السنين الغائبة من عمرهما سوياً.              
تحدثا عن حياتهما أخبرها احمد انه رغم قراره بالبعد عنها الذي اتفقا عليه سوياً لأنه قرر السفر لإكمال دراسته في الخارج ولمياء كانت سند والدتها الوحيد بعد وفاة والدها المفاجأ في حادث سيارة وكان شقيقها فيصل مازال صغيرا وأختها روان طفلة لم تتجاوز الخامسة من عمرها  فقد ضحت بحبها لأن الظروف كانت مستحيل تجمع بينهم.
إلا انه كان دائما يفكر فيها ويفكر في أحوالها اخبرها انه مازال يتذكر كيف تضحك وكيف كانت تغني له على الهاتف عندما يكلمها تذكرا الماضي وتناقشا في الحاضر مرت عليهم 3 ساعات ولم يشعروا بالوقت خلالها فقد  مرت كأنها لحظات وفي نهاية المقابلة سلما على بعضهم وتواعدا أن يتقابلا ثانية وأن يكملوا الحديث .
عادت لمياء إلى بيتها وهي سعيدة تشعر كأنها في الثانية والعشرين عادت بها الذكريات للماضي الجميل لأيام الحب ودقات القلب السريعة استغربت ان لقائها بأحمد لم تشعر خلاله بغربة بل كأنها لم تفارقه يوم مازالت ضحكته كما هي ولمعة عينيه وكأنها تمتلئ بالدموع كما هي ونبرة صوته العميقة وشخصيته القوية لم يتغير به شئ لم تفكر لمياء وقتها لا بزوجته ولا ببناته ولا بشئ فقد فكرت بنفسها وبلحظات السعادة التي عاشتها وتريد أن تتمسك بها.

خرجت سارا مع هيثم ومجموعة من أصدقائهم المشتركين في العمل وكانت معهم شهد صديقة سارا المقربة ذهبوا جميعاً إلى مكان مفتوح فيه حديقة ومسبح ومطعم قد اختار المكان هيثم وقد أثنى الجميع على اختياره أثناء اللعب والضحك اكتشفت سارا شخصية هيثم الجميلة وروحه المرحة وحب زملائهم له حتى آن شهد قد أعجبت بشخصيته وأخلاقه  وعلى طاولة منفردة جلست شهد و سارا و قالت شهد : سارا لقد لاحظت شيئاً ! سارا : ما  هو ؟
شهد : أشعر بأن هيثم يميل إليك الم تلاحظي ذلك ؟
سارا : لا  بالتأكيد لا يميل إلي ربما شعرتي بذلك لأننا مقربين من بعض في العمل .
لم تقتنع شهد : ربما ولكني متأكدة أنه يحمل في قلبه شيئاً خاصاً لك وإذا كان فعلا ذلك لا تضيعي فرصتك معه فهو حقاً شاباً مميزاً .
سارا : شهد هل جننت ؟ بالتأكيد لا أفكر في هيثم ولن أفكر به أو بغيره أنت أكثر شخص في العالم يعرف ذلك !
شهد للأسف اعرف ذلك ردت عليها بحزن وكيف حال هشام معك ؟ لم تذكريه لي
سارا : بخير نتحدث ولكن نمر بفترة برود أنت تعرفي كيف يكون حين ينشغل
شهد : اعرف أنه يكون سئ معك ويعاملك معاملة غريبة و كأنه لا يعرفك ولم يسهر يتحدث معك ولم تكوني معه في أوقات أزماته .
صمتت سارا فلم تعرف ماذا ترد لأنها الحقيقة هو فعلا يتغير معها ويصبح غريباً عنها ولا بد أن تنتظر فترة وتعود لاسترجاعه إليها من جديد .
شهد : سارا لا تستائي من كلامي تعرفين انك بالنسبة إلي شخص لا أتحمل أن يتعرض لأي أذى وأنا أرى كيف يعاملك هشام وأثور .
سارا : لست مستاءة منك لأني اعرف أن كل كلامك صحيح ولكن شهد ليس بيدي لم اختر حبه ولم اختره هو بالذات لست اعلم أن كنت سأشفى من حبه أو سيأتي يوم ويفهم حبي له .
شهد : اسمعي جربي عودي إليه أعطيه فرصة  أنا اعرف أنه يعرف مشاعرك تجاهه بالرغم انك لم تصرحي له يوماً ولكنه ليس مغفل أو غبي تصرفي يا سارا لا أحب أن أراك هكذا مكسورة وحياتك متوقفة على سراب .
سارا : سوف أعود وأتحدث معه وأحاول أن استرجعه وليعينني ربي عليه لقد استنفذت كرامتي باللحاق به .

وهنا جاءهم هيثم مع باسل وانضموا إليهم ليتجاذبوا أطراف الحديث , بالنسبة لباسل لقد كان زميل لهم بالعمل أيضاً شخصيته تشبه إلى حد كبير شخصية هشام فهو يجذب الفتيات إليه ويتعلقوا به ولكنه في النهاية يترك ويكمل حياته وقد أعجبت به شهد لفترة واقتربت منه ولكنها عندما اكتشفت أنه من هذا النوع  تركته ولم تحاول حتى الحديث معه وأصبح هو من يلاحقها ألان ولكنها ليست متأكدة من أنها تريد أن تعيش نفس تجربة صديقتها سارا لذلك كانت تعامله بشكل عادي وبارد مما يستفز باسل كثيراً.
باسل : شهد لم أراك منذ فترة أين مختفية ؟
شهد : أنا دائما موجودة في الدنيا يعني لم أهاجر بعد يا باسل 
حاول باسل أن يتمالك أعصابه فقد ردت عليه شهد بطريقة مستفزة وبضحكة غريبة أجابها تعالي سأشتري لك ايسكريم ليبرد قلبك وأعصابي  هنا ضحكوا جميعاً فقامت معه شهد وهي سعيدة بانتصارها عليه .

اقترب هيثم من كرسي سارا وسألها بصوت منخفض : هل استطعت أن أسعدك اليوم ولو قليلاً ؟
تفاجأت سارا من لهجته وسؤاله ولكنها أجابته نعم كلنا سعدنا وغيرنا جو العمل وتعب طوال الأسبوع
هيثم ولكني قمت بالتخطيط لهذه الرحلة لأجلك لقد أحسست أنك مكتئبة لم تعودي سارا التي تضحك طوال الوقت ولم استطيع مقاومة رغبتي في إسعادك .
سارا : هيثم هل أنا حقاً أبدو كئيبة ؟
هيثم : بصراحة نعم كثيراً اشعر وانك شخص أخر
سارا : هيثم ها أنت عرفتني في أوقاتي الكئيبة أنا دائما أمر بأوقات هكذا لا تقلق هي مسألة وقت وتمر.
هيثم : أتمنى يا سارا أن تخرجي بسرعة مما أنت فيه .
تنهدت سارا و أجابته وأنا والله أتمنى ذلك .
وعاد هيثم ليضحكها ويقص عليها قصص طفولته الشقية وهي تسمعه وتضحك وتفكر بأن هيثم حقاً شخص رائع وصديق حقيقي.
                                                                       (7)

فتحت روان الدردشه ووجدت وليد تشجعت وكتبت له مرحبا . انتظرت دقيقه ثم رد عليها روان كيف حالك
تحمست روان بشدة ومشيت في خطتها وهي ان تتحدث معه لأطول فترة ممكنة
تحدثت معه دراستها ودراسته عن أهلها وأهله عن كل حياتهم اليومية واستمرت تكلمه لثلاث ساعات متواصلة وبعدها بيوم أيضا تحدثوا واليوم الذي يليه تعودت تبادلوا  الايمالات  واستمروا باللقاء اليومي في ساعة النهار بعد رجوعهم من الجامعة أصبح جزء من حياتها وأصبحت جزء من حياته عندما يحزن ير سل  لها  لتدخل يشكي لها همه تعطيه قوة ودافع للاستمرار تعلق بها كأنها أول فتاة يتحدث معها في حياته وروان تعلقت به فقد كان الأول في حياتها في يوم كان سعيد بها وبحديثها طلب منها رقمها الخاص لم تتردد روان فقد عرفته وعرفت تفكيره وعلمت بأن هذه الخطوة لابد أن تأتي أعطته إياه لم ينتظر دقيقه حتى رن هاتفها سمعت صوته وسمعت كلامه واهتز قلبها أكثر و أكثر .

أما لمياء فقد رجعت حياتها لتمتلئ بالفرح والسعادة كل يوم كانت تشعر بأنها في العشرين كانت تنظر لنفسها في المرأه وترى أن جمالها لم يذهب بل ازدادت أنوثة المرأه في الخامسة والثلاثين تكون في أوج شبابها وأنوثتها وأيقنت بذلك حتى أصدقائها وزملائها كانوا قد لاحظوا تغير ملامحها  وكانت تجيب بأن الله أهدها الفرح والابتسامة
كانت تتحدث مع احمد وتقابله كل فترة لم تفكر في عائلته في زوجته نسيت كل العادات والتقاليد وانساقت وراء مشاعرها لأول مره في حياتها .

سارا مازالت تتخبط في علاقتها بهشام اشتاقت إليه لدرجة لم يعود بإمكانها تحملها كانت تراقبه من بعيد وقلبها يستشيط  ناراً عندما تراه يخرج مع صديقات و زميلات له أمضت أيام صعبه على فراشها وهي تبكي حبه وتبكي شوقها إليه كانت تدعو الله أن يتذكرها لأنها لن تستطيع الرجوع إليه هذه المرة .
أما هيثم فقد كان دائماً حولها يضحكها يسليها كانت كل يوم تكتشف فيه أشياء جميلة فهمت قصده وغايته فلا يوجد شاب يهتم بفتاة هكذا إلا إذا  كان يميل إليها ويطمح بعلاقة معها حاولت جاهدة أن تتقرب إليه أن تزيل حاجز هشام من قلبها ولكنها كل يوم كانت تفشل بمحاولاتها وكانت تبعد هيثم عنها وتنام على أمل أن يشعر بها هشام.

اتصل وليد على روان في الليل وكانت نائمة استيقظت على رنة هاتفها رأت اسمه فزعت من الفرح ومن الخوف عليه
ردت بصوت ناعس : ألو وليد
وليد : روان هل أنت نائمة انا أسف أيقظتك
روان : وليد هل جننت لا تعتذر أنا استيقظ بسرعة وأنام بسرعة لا تقلق ولكن ماذا هناك هل حدث شئ ؟
وليد : روان نحن نعرف بعضنا منذ كم شهر تقريباً ؟
روان : إممم اعتقد منذ 4 أشهر .
وليد 4 أشهر وأسبوعين
روان : أنت تحسبها إذن ! وابتسمت
وليد : الصراحة لم استطيع النوم وأنا افكر بك وفي بعلاقتنا وكيف انك أول فتاة اشعر تجاهها كما اشعر تجاهك
صمتت روان لم تعرف ماذا تجيبه هل يعقل انه سيقول لها تلك الكلمة التي طالما انتظرتها منه وهي احبك
وليد روان هل نمت ؟
روان : كلام معك وليد ولكني لم أعرف ماذا أجيب
وليد : روان ما هو شعورك تجاهي ؟
ردت روان وحاولت ان تسيطر على صوتها : وليد وصمتت أنا ...  أنت .... لا بد أنك تعرف .
وليد : لا أعرف أجيبيني أرجوك
روان : وليد لا اعلم كيف أجيبك أنت ماذا تشعر تجاهي ؟
وليد صمتت فترة طويلة وكأنه يراجع حساباته روان أنا احبك وعاد لصمته .
ولم ترد عليه روان وعاشا كلاهما في تأثير قوة الكلمة
روان لم تتوقع أن تأتيها مكالمة بعد منتصف الليل فيها اعتراف بحبها من اعز وأغلى إنسان في حياتها  فقد توقعت أن يقولها لها في محادثه طويلة على الميل أو بمسج ولكنه اختار الهاتف
وليد لم يتوقع أن سهره على الفيسبوك وشعوره بالوحدة من غيرها يجبره على الاتصال بروان وأن يعترف لها بشئ أول مره يعترف به حتى أمام نفسه
وليد : روان تكلمي اشعر بأني تسرعت
روان بسرعة كانت خائفة يسحب اعترافه لها : كلا لم تتسرع
ابتسم وليد وشعر بالطمأنينة قوليها لي يا روان
روان: وليد وكانت في قمة خجلها وتتلعثم في كلماتها حتى أن وليد ضحك من قلبه وسألها روان هل تقبلي أن تكوني في علاقة معي ونخبر أصدقائنا  بذلك  ؟
روان : كيف يعني ؟
وليد أريد ان تكوني حبيبتي وكل العالم تعلم ذلك وأصدقائنا على الفيس سوف اعمل علاقة هل توافقين ؟
روان : هل تريد ذلك ؟
وليد : طبعاً
روان حسناً موافقة ....
انتهت مكالمتهم الصباحية بالحب والوعود الصادقة ليستمروا مع بعضهم ويحاربوا كل شئ في سبيل علاقتهم
نامت روان لأول مره وهي مرتبطة بشخص تحبه وتعلم ألان انه يحبها كانت تقول متى يأتي غداً لأخبر كل العالم أني أحب وليد وهو يحبني .
وبالفعل استيقظت روان وفتحت جهازها المحمول وفتحت الفيسبوك  لتجد طلب من وليد أن تكون على علاقة معه وافقت عليه وهي ترقص بداخلها من الفرحة , جميع أصدقائهم دخلوا ليكتبوا مبروك ويهنئوهم وكأنهم عروسين خطيبين بمباركة الأهل وعاشا فرحتهما وليد وروان بين أصحابهم ولم يفكرا سوى في أن يكونا سعيدين فقط .

تلقت سارا مكالمة من هشام بعد أن عادت من عملها في وقت متأخر , عندما رأت رقمه قفز قلبها سعادة حاولت أن تتحكم في مشاعرها الجياشة تجاهه فقد اختلطت سعادتها بغضبها من بعده وجفاه ردت بصوت هادئ ألو
هشام سارا كيف حالك ؟ سارا  بخير الحمد لله وأنت لاحظت أن صوته كان متعب مرهق أو حزين
سارا ما بك هشام هل أنت بخير ؟ هشام لماذا لم تسألي عني طول الفترة الماضية ؟ سارا بتعجب وقليل من الغضب الذي زال عند سماع صوته  حقاً ! قلت لنفسي لا بد و أن تكون متعب أو مللت مني فتركتك لترتاح ولا أريد أن أضغط عليك حتى لا تقول أني مملة ولحوحة .
هشام هل جننتي ؟ كم أقولها لك أني مستحيل أن أمل منك أو أتغير عليك لا أعرف لماذا دائماً تجعليني أشعر أنك بالنسبة لي ولا شئ أو شخص عادي و أنت تعرفين مكانتك عندي !
سارا ولكني لا أشعر بذلك ! اسمع ربما يكون من طبعي الشك ولكنك تعاملني بطريقة غريبة
هشام أنت تعرفين ظروفي دائماً مشغول في المستشفى وضغط العمل ومشاكل الزملاء والأصدقاء ولكنك المتنفس الوحيد الجميل بحياتي تعرفين ذلك !
شعرت سارا بالنشوة لكلماته الأخيرة لها ورضيت عنه وعادت تحدثه وتضحكه وتحاول أن تخرجه من مزاجه السيئ وكأنه لم يغب يوماً عنها وكأنها لم تبكي يوماً بسببه ولم تعاني الوحدة من بعده .
طلب منها موعد للقاء واخبرها بأن يلتقوا مع أصحابهم ليغيروا جو ورتابة الحياة قبلت سارا على مضض تمنت بأن يلتقوا لوحدهم بعيد عن كل البشر تمنت أن تضمه بين يديها وتمسح حزنه تزيل همه وغمه تمنت أن تكون أمه لتراه كل يوماً استغربت حبها له كل يوم مازالت تستغرب هذا الحب وهذه المشاعر الغريبة دائماً تساءلت هل هناك حب كحبها هل هناك أشخاص غيرها يتعذبوا مثل عذابها .

أما لمياء فقد كانت تعيش نشوة علاقتها الجديدة مع احمد وكانت تعيش كل يوم بيومه ولا تفكر في غداً أو بعده كانت علاقة ناضجة مع قليل من المراهقة فهم يتحدثوا عن الدنيا والعالم عن الحب والكره عن الأصدقاء يسترجعوا ذكرياتهم ويتناقشوا في مصاعب الحياة حتى جاء اليوم الذي ذهبت فيه لمياء للسوبر ماركت للتبضع كانت تمشي وهي تشعر بأنها ملكت العالم بين يديها منصب في العمل والدة تحبها وترعاها شقيقة صغيرة مطيعة وشخص مميز محترم وحب قديم عاد لحياتها تمشت في أورقة السوبر ماركت  سمعت صوت أطفال يضحكوا ويتحدثوا رفعت رأسها لترى بنتين وأمهم وأبوهم يتحدثوا وكل منهم يطلب طلب رأت احمد مع امرأة  جميلة جمالها عادي وهادي وبنتين مرحتين اخذوا الكثير من ملامح احمد الشعر الأسود والعيون الغامقة لم تعرف ماذا تفعل التقت نظراتها بأحمد هرب منها شعرت بارتباكه سحبت نفسها بهدوء ومشت كانت دموعها تنزل لم تستطيع حبسها شعرت لأول مرة منذ عودته بحقيقة أنه ليس لها ولن يكون لها مشت في الشارع لا تعرف أين تأخذها قدامها مشت من غير هدى أو وجهة معينة كانت تمشي وكل أفكار الدنيا تدور في رأسها كيف سمحت لنفسها أن تفكر بشخص لغيرها تفكر في شخص لديه عائلة وأولاد كيف تبني سعادتها على تعاسة امرأة أخرى ليست لمياء من تفعل ذلك ليست هي من تتصرف بطيش وتسمح لحب زال وانتهى بالعودة لحياتها ؟!
رجعت إلى بيتها ودخلت غرفتها ارتمت على سريرها ودفنت وجهها في مخدتها بكت بأعلى صوت لها حاولت أن تكتمه حتى لا يسمعها أحد غصت بدموعها كانت تبكي كأنها طفلة فقدت كل أحلامها وألعابها بكت أكثر بكثير من أي وقت مضى لماذا عاد إلى حياتها ؟ لماذا بنت أحلامها معه ؟
أمضت ليلة صعبة تقلبت على سريرها بكت سكتت صمتت تنهدت خنقتها عبرتها لم يغمض لها جفن جاء موعد استيقاظها اتصلت على سارا أخبرتها بأنها تعتذر عن الحضور وجعلتها تلغي جميع مقابلاتها وتقوم بأي عمل ضروري  بدلاً عنها خرجت لتطمئن والدتها عليها وبأنها أخذت اليوم عطلة فهي لا تشعر أنها بخير ويمكن أن تمرض, عادت مرة أخرى إلى غرفتها وأمضت نهارها فيها لم تعرف بماذا تفكر فقد كانت شعرت بأنها ليست هي وتفكيرها مشتت استغربت أنه لم يحاول أن يتصل بها أن يطمئنها أن يسأل عنها ؟ نعم لقد هرب عند أول مأزق تعرض له وخاف على نفسه وصورته , لا تعلم لماذا كرهته ولماذا شعرت أن حبه قد خرج من قلبها وكأن احد قد انتزع أحشائها منها .
                                                                     (8)
في هذا الوقت غادرت روان البيت لتقابل سهى في بيتها وتمضي معها فترة بعد الظهيرة تحدثوا عن وليد وعن مدى سعادة روان معه وكيف انه يشعرها بأنها محبوبة تحدثوا عن الشباب وعقولهم ضحكوا ورقصوا وأكلوا لعبوا وكلموا وليد بالهاتف حاولوا استفزازه لأنهم مع بعضهم وهو لم يرى روان بعد ولم يقابلها بعد اخبرهم بأنه عندما يراهم سينتقم منهم وضحكوا على كلامه وضحك معهم , استمرت علاقة روان بوليد عبر الهاتف ولكن في المجمل كانوا يتقابلوا على الفيسبوك والميل يتحدثوا ويلعبوا العاب سوياً عاشا كأنهم أطفال هي في الثامنة عشر وهو في العشرين وهذا هو سن المشاعر الرقيقة والجمال في العالم عندما يلتقي قلبان يشعرا بأن حياتهم ممتلئة لدرجة التشبع وبأن الضحكات مزروعة في كل مكان حتى في قلب النار .


بعد انتهاء يوم عمل طويل عادت سارا إلى البيت لتكلم شهد فقد اتفقوا على اللقاء مع هشام وأصدقاء مشتركين بينهم حذرتها شهد بأنها مازالت تلعب بالنار وبأنها يجب أن تضع حد لنوع علاقتها بهشام أعطتها بعض النصائح وأغلقت سماعة الهاتف استعدت سارا للخروج وأخذت الإذن من أهلها , أثناء طريقها للقاء هشام وأصدقائهم التقت شهد و كانتا تعد سيناريو تصرفاتها وحديثها معه و دعت سارا  ربها أن يعطيها أي تلميح أو يصارحها بحبه فقد تعبت وملت في انتظار الأمل, وصلتا متأخرتين إلى المكان وجدتا هشام  ورهف أماني وفيصل الكل يضحك ويتحدث , سلمت كلاً من الفتاتين على أصدقائهم استقبلهم هشام وعلى وجهه ظاهر التعب والإرهاق تحدثوا مع بعضهم ثم قام هشام وجلس بجانب سارا وهمس بصوت منخفض اشتقت إليكِ !
سارا وأنا أيضاً كثيراً لكن هشام اخبرني ما بك ؟ لا تبدو بخير ؟ هشام أخربتك أني مرهق وضغط العمل وأعاني من الوحدة حقاً أشعر بأني وحيد .
سارا ولكني معك لا تنسى ذلك دائماً أخبرك إذا احتجت إلي في أي وقت سوف تجدني
هشام اعلم ذلك ولكني كنت في حالة غريبة
حزنت سارا على نفسها عندما قال انه يشعر بالوحدة  فلو كانت تعني له شئ على الأقل كان شعر بأنها رفيقته ولكنها رفضت هذه الأفكار من رأسها فهو قد ترك جميع أصدقائهم وتحدث معها هي على انفراد ونسي أنهم موجدين وهي معه , أقنعت نفسها أن تعيش اليوم بكامله وتحاول أن لا تفكر بأي شي سوى أنها مع هشام وهو يضحك معها ويحدثها ومع أصدقائها  والكل سعيد .
انفض اجتماع الأصدقاء وكل ذهب في طريقه وقام هشام بإيصال شهد لمنزلها ثم سارا وهنا تشجعت سارا على سؤاله
هشام  أنا ماذا أعني لك ؟
صمت هشام ثم قال لها أنت بالنسبة إلي شخص مميز في حياتي وقريب جداً
سارا هل أنا قريبة منك حقاً ؟ هشان أنت من أقرب الناس إلي وربما أنت أقربهم إلي على الإطلاق
سارا و كيف يعني شخص مميز ؟ هشام يعني مميز لا أعلم كيف أفسرها لكٍ ولكنك مميزة لدي
صمتت سارا عند هذا الحد وتحدث هشام ما سبب سؤالك سارا نحن نعرف بعضنا منذ سنة وفعلاً استطعتي أن تقتحمي حياتي وأشكر الله أنك فيها .

تلقت لمياء اتصال من احمد رأت رقمه قررت أن ترد عليه ألو احمد
احمد لمياء كيف حالك ؟ لمياء بخير الحمد لله
احمد لا اعرف ماذا أقول أنا ...
قاطعته لمياء احمد لا تقل شيئاً لقد انتهينا
اجابها احمد لمياء انا أسف حقاً  لمياء لا تعتذر فالخطأ يقع علي أيضا لقد نسيت أنه لديك عائلة وحياة زوجة وأطفال
احمد لمياء هلى تتزوجني ؟
صمتت لمياء لم تفرح بعرضه  بل مجرد شعور غريب بالخيانة اجتاحها .
لمياء هل ستخبر زوجتك وبناتك وتخبر عائلتك وكل أقاربك وأصدقائنا هل سنقيم حفلة عرس كبيرة كالتي حلمت فيها معك عندما كنت في العشرين ؟
احمد رد بارتباك لمياء تعرفين وضعي !
لمياء إذن طلبك مرفوض لا أستطيع بناء حياتي وسعادتي على تعاسة شخص أخر
احمد لا أنكر أني احبك وأنت حبي الأول ولم يدخل شخص أخر حياتي لأني أغلقت كل الأبواب لدخول أي بشر أخر إلى حياتي ولكن لقد انتهيت من هذا كله احمد أتمنى لك كل الخير والسعادة والحب اذهب لزوجتك وبناتك عائلتك جملية لا تهدمها ابنيها يا احمد ابنيها من جديد ولا تتصل علي مرة أخرى وإذا في يوم تقابلنا صدفة أتمنى أن نسلم على بعض أمام العالم كأصدقاء ولا نخشى شيئاً , احمد شكراً لك لأنك عدت إلى حياتي وجعلتني استفيق من اكبر وهم في حياتي أرجوك اذهب وعيش حياتك ودعني أعيش حياتي .
لم يعرف احمد ماذا يجيبها تلبك في رده لمياء أنا .... ردت لمياء بسرعة لا تجيب لقد انتهينا إلى اللقاء
رد احمد بصوت منكسر لقد فقد حب حياته مرة أخرى وهذه المرة إلى الأبد من غير أمل .
                                                                      (9)
ارتاحت لمياء من عبئ ثقيل أرهقها لأسابيع طويلة منذ أن أعادت علاقتها  بأحمد قامت بقوه واتخذت قرار بأن تأخذ إجازة طويلة وتسافر ل أخاها فيصل  في  فلوريدا بأمريكا أخبرت والدتها وروان بذلك تفاجئوا لهذا القرار الغريب والسريع ولكنها أصّرت عليه واقتنعوا لأنهم شعروا بأنها بحاجة لذلك .

رتبت لمياء مشروع إجازتها إلى أمريكا وتولى هيثم منصبها كنائب عنها وحزنت سارا كثيراً لأنها ستفقد لمياء فهي لم تكن مجرد مديرة بل كانت أخت وصديقة ودائماً عاملتها بشكل جعل الكل يحسد سارا على رئيستها في العمل . تم ترتيب كل شئ في مكتب لمياء وانتقلت السلطة بالفعل لهيثم وأخذت لمياء يومين في التسوق لتجلب هدايا لفيصل وعائلته وملابس لها تناسب السفرة , قررت أن تترك كل شئ ورائها وتبدأ من جديد.
شعرت روان بالحزن لفراق لمياء التي كانت بمثابة أم ثانية لها وكانت تمر بفترة من الكأبه ولم تجد غير وليد تشكي له همها كان يسمعها في البداية ويحاول أن يخفف عليها كثيراً لكن بعد ذلك مل من الموضوع وأصبح يغير كلامه مع روان ويخبرها بأنه مشغول وليس فقط في موضوع لمياء وسفرها بل حتى في مواضيع كثيرة , شعرت روان بتغيره عليها وحاولت أن تكذّب نفسها وتتحدث معه بشكل عادي حتى أنها شكت همها لسهى التي وافقتها بأن الشباب قد يشعروا بالملل ويتغيروا ولكنها اذا كانت تحب وليد فلابد أن تجتهد لإبقائه معها سمعت روان كلام سهى وهي في حيرة من أمرها فلم تكن بمزاج لتحمل ضغط علاقتها بوليد ومتطلباته منها .

سارا في هذا الوقت كانت تتعامل مع هيثم بشكل يومي وكان رائع في التعامل فهو جدي في أوقات العمل ويعطي أوامر واضحة لا تجعل أي من العاملين في حالة ارتباك , وكان يعاملها خارج نطاق العمل وفي أوقات الراحة بشكل ودي جميل ويتقرب منها ويغازلها ويسمعها كلام جميل ولكن بشكل غير صريح , وهي كانت سعيدة به كمدير وكانت في أوقات تستجيب له وفي الكثير من الأوقات تصده وخاصة عندما تكون علاقتها بهشام قويه وتحدثه بشكل يومي

سارا وهشام علاقتهم في تأرجح من بعد أخر مرة تحدثت سارا بصراحة لهشام اقتربت منه أكثر ثم ابتعدت عنه فهو كالعادة عندما ينشغل ينسى كل شئ في حياته ولكنها كانت راضية بالقليل منه فهو مازال أملها في الحياة وسر سعادتها عندما تتحدث معه تنسى غضبها من بعده وحزنها على فراقه , وعندما تبعد عنه تعيش في وحدة وفي حالة من الضياع فكتبت في يوم على ورق مكتبها
حبي لك حب غريب !
حبي لك حلم بعيد !
حبي لك كأنه المستحيل !
سارا كانت تفهم أن هناك سر في حياة هشام يبعده عنها لأنه مستحيل أن يكون طبيعي ويتجاهل حبها ثم يعود ليشعرها بأنه حبيبها وبأنها حبيبته .

وصلت لمياء إلى فلوريدا وكان فيصل في قمة سعادته لرؤية أخته الصغرى وزوجته هاجر وأبنائه رامي وريما أيضاً فرحين لرؤية شخص جديد عليهم , مرت أيام على لمياء حتى تتأقلم على الوضع الجديد والمنزل والجو الصيفي الحار في مدينة ميامي الواقعة في ولاية فلوريدا والتي تعتبر ثاني أكبر مدن الولاية وأكثرها أهمية من حيث مكانتها الاقتصادية والثقافية و مدينة ميامي في شهر 9 وهو سبتمبر كانت مصيف لوجود الشواطئ بها الواقعة على المحيط الهادئ  , ومنزل فيصل الواقع في ضواحي ميامي كان منزلاً جميلاً بسيط يتميز بالأناقة لذلك كانت تخرج لمياء مع رامي وريما ليتمشوا على الشاطئ كل فترة للعب ولتغير الجو عاشت لمياء أيامها من غير تفكير سوى في اشتياقها لوالدتها وروان التي لم تفارقهم يوماً وهذا ما كان ينغص عليها إجازتها الهادئة في أمريكا , جاء فيصل ليخبرهم أنه سيقيم عشاء بسيط للأصدقاء له في العمل وطلب من زوجته هاجر ولمياء أن يتفننوا في إعداد الأطباق الشرقية
فيصل استعدوا للعشاء فهو مهم أريد أن يكون شئ خيالي , شئ كبير , شئ ولا في الأحلام.
ضحكت لمياء وهاجر على تعبيرات فيصل وردت هاجر بثقة لست بحاجة لتوصياتك فأنت تعرف أنني مبدعة دائماً يا حبيبي .
ضحكت لمياء عليهم وقالت أما أنا فأعترف أني فنانة في تناول المأكولات اللذيذة فقط  , ولكني سأساعد بالطبع .
وبالفعل تم تجهيز كل شئ لهذا العشاء وجاء اليوم واستعدت كل من لمياء وهاجر بترتيب المنزل والأطعمة المختلفة وتجهيز السفرة ومكان الاجتماع وفي النهاية تجهيز نفسيهما , بدأ الضيوف بالتوافد على المنزل وتجاذب الكل أطراف الحديث بدت لمياء سعيدة وهي تتحدث عن نفسها وعن الشرق وتقاليده وعن الأهل والأصدقاء مع أنها ازدادت شوقاً بعد حديثها هذا وبعد مرور نصف الوقت على السهرة دخل من الباب رجل يبدو في أواخر الثلاثينات يتمتع بوسامة كبيرة وشخصية جذابة حتى قبل أن يتكلم ابتسم واقترب من فيصل عانقه فيصل بكل حفاوة وسرور,
فيصل : طارق أين أنت لقد تأخرت ؟ رد طارق بابتسامة هادئة تعرف يا فيصل ضغوط العمل وهنا لا مجال للراحة بالمرة . فيصل أجل أعرف حسنا لا نريد تضيع الوقت تعال أعرفك على لمياء أختي الصغرى وبعدها نهجم على طاولة الطعام فقد انتظرنا بما فيه الكفاية .
نادى فيصل على لمياء واقترب منها وبجانبه طارق , فيصل : لمياء أعرفك على اعز صديق لي هنا فهو رفيق النضال طارق كامل وهو يعتبر من أغنياء العرب الموجدين في ميامي وضحك فيصل وقال اعذرني يا طارق هل اكشف ثروتك رد طارق وعينيه مركزتين على لمياء اكشف ماتريد يا فيصل لقد تركت لك حرية التصرف , ومد يده إلى لمياء واخبرها أخيراً التقينا . أجابت لمياء بابتسامتها العذبة وهل تعرفني يا أستاذ طارق لتقول أخيراً ؟
طارق : اولاً لا تقولي أستاذ فأبدو كأني اعمل في مدرسة , وثانياً نعم أعرفك وأعرف روان أيضاً دائماً كان فيصل يحدثني عنكما وعن والدتكم أطال الله في عمرها عندما يكون في قمة حزنه وشوقه إليهم .
وهنا انسحب فيصل وطلب الاستئذان ليرى ضيوفه .
لمياء آه لقد فهمت , أنت تعرف أن الغربة شئ صعب وما يصبر الإنسان عليها هو صديق أو حبيب أو زوج وزوجة واحمد الله أن فيصل قد وجد في هاجر زوجة وفية تقف بجانبه وأعتقد أنك خير صديق , لأني اعرف أن فيصل لا يبث أسراره إلا لإنسان مقرب وأنا اشتم في علاقتكم رائحة أخوه قوية وضحكت هنا .
طارق بالفعل وهو وعائلته بالنسبة إلي كل شئ فقد احتضنوني دائماً .
لمياء أنت وزوجتك وأبنائك بالتأكيد !
طارق لم أتزوج ولم أسس عائلة يا لمياء فأنا وحيد وكان يبتسم بحزن .
لمياء أنا آسفة لم اقصد لقد اعتقد انك لابد وأنا تكون صاحب عائلة .
وصمتت ثم نادى فيصل الكل ليجتمعوا لتناول العشاء .
                                                                  (10)
حاولت روان أن تكلم وليد عدة مرات ولكنه لم يجيب على هاتفه فتحت الدردشة لم تجده والميل لم يكن موجوداً استغربت فهذا وقته , وقد كانت بحاجة  للتحدث إليه ليملئ فراغ يومها ليقول لها أنها ليست وحيدة معه , شعرت بالضياع أمضت طول اليوم على الابتوب تفتح الدردشة والميل تبحث عنه , رسمت ولعبت وقرئت ولكن لا شئ كان يسليها أو يشعرها بالفرح كان شعورها بالوحدة من غير وليد شعور خانق .


بالنسبة لسارا وهشام فقد يبعد عنها شيئاً فشيئاً كانت تحدثه يوماً بعد يوم أو كل أسبوع مره كانت تسأل عنه تحاول إخراجه من مزاجه المعكر دائما تضحكه تحكي له قصصها في العمل إلا أنها كانت تشعر ببعده عنها , وكانت سارا تحارب شعورها بالملل من التقرب إليه ومن محاولاتها الدائمة لجذبه إليها وقررت أن تحاول فهم  أسرار شخصيته الغامضة سر عدم تعلقه بها , ما هو سرك يا هشام , من هشام الذي أضاعت سنه وأكثر معه بلا أي نتيجة من غير تصل حتى لمجرد تلميح أنها حبيبته بالرغم من كلامه إليها ومن معاملته المميزة لها وعندما يناديها حبيبتي كانت تشعر بها منه .
لذلك انتظرت وقت الليل بعد رجوعه من عمله اتصلت عليه وحاولت أن تبدو هادئة وفتحت معه مواضيع مختلفة ثم سألته هشام هل هناك فتاة في حياتك ؟
أجابها حتى لو كان هناك فتاة فليس هناك حب يا سارا .
سارا لماذا لا يوجد حب في حياتك ؟
هشام قلبي مقفل .
صمتت سارا لم تعرف ماذا تقول وكأن أمالها كلها ذابت وانتهت وكأن قلبها توقف عن النبض غصت بدمعتها ولكنها لم تفقد أملها معه ولم تفقد حبها له فقد حزنت عليه وحزنت على وحدته , حزنت على حبها الضائع وقلبها المكسور غيرت الموضوع وأقفلت السماعة , وأقفلت على نفسها مثلما فعل هو أقفلت على قلبها معه .

وفي المكتب تقدم هيثم حيث تجلس سارا في فترة الراحة جلس إليها تحدث معها شعر بحزنها وشعر بها كان يعلم أنها تحب وأن قلبها مشغول كان متأكداً انه حب معذب وحب مستحيل حاول أن يقترب منها ولم يجد منها غير الصد والبعد أكثر وأكثر وكلما اقترب كلما ابتعدت عنه .
هيثم : سارا ما رأيك في أدائي بالعمل ؟
سارا : هيثم ومن أنا حتى أحكم عليك ! أنت لو لم تكن تستحق أن تكون في هذا المكان لم تكن , صراحة أنت من أفضل المدراء مع أني لم أتعامل مع كثيرين أنت ولمياء , لمياء لقد افتقدتها حقاً وافتقد وجودها معي .
هيثم : أنا لم أعرفها لفترة طويلة ولكنها كانت شخص مميز .
سارا ما رأيك أن نخرج سوياً أنا وأنت ونتحدث عنا وعن حياتنا , أريد أن أتعرف عليكِ أكثر .
صمتت سارا وتساءلت في نفسها ما لذي تريده يا هيثم من قلب معذب في حب بعيد المنال ابعد عني فأنت لا تستحقني وتستحق الأفضل , أجابته هيثم دعنا نحدد وقت أخر .
هيثم : لم ولن أقبل سوى بموعد محدد وهو يوم الأحد سوف انتظرك في المطعم الهندي لنتناول الغداء وستتذوقين ألذ وأطيب أكل في الدنيا , وقام ليعود لمكتبه ويستأنف عمله .

التقت سارا وهيثم في المطعم الهندي وكانا يتحدثان عن حياتهما وأهلهم تجاربهم في الحياة ضحكوا كثيراً رأت سارا في هيثم شخصية رجل حقيقي .
سألها هيثم من ضمن كلامهم سارا هل تحبين ؟
استغربت سارا سؤاله الذي أتى بشكل جرئ ومفاجئ لها ولم تعلم كيف السبيل لتهرب من أصعب سؤال في حياتها أجابته لماذا تسأل هيثم ؟ هل واضح علي ؟
هيثم نعم واضح جداً
سارا كلا تهيأت يا هيثم صدقني أنا عزباء وأفتخر وضحكت في محاولة منها لتغير الموضوع .
هيثم لا تحاولي التهرب صدقيني أنت مكشوفة بشكل لا يمكنك تخيله .
سارا لا يا هيثم لست واضحة ولا مكشوفة أنا غامضة صدقني وجربت التهرب من سؤاله وسألته عن موعد نزول الراتب وما الذي ينوي فعله عند استلامه .

اتصل طارق على منزل فيصل وطلب التحدث إلى لمياء , استغربت اتصاله ولكنها فرحت به أخبرها بأن لديه فراغ لثلاث ساعات من العمل قبل اجتماعه التالي ويفكر في الغداء في مطعم جديد وسألها إذا تحب مشاركته ؟
وافقت لمياء ورحبت بالفكرة بسرور واتفق أن يمر عليها بعد نصف ساعة , وبالفعل كان بعد نصف ساعة عند الباب امتدح جمالها وأناقتها واصطحبها إلى السيارة وتوجها إلى المطعم , تحدثت معه لمياء بكل راحة ووثقت به بسرعة غريبة وهو أيضاً أحب حديثها سألها لماذا امرأة جميلة مثلها لم تتزوج إلى الآن ؟ 
أجابته بكل صدق لقد مررت بظروف صعبة فقد توفي والداي وكانت أختي روان مازالت طفلة صغيره وفيصل مهاجر إلى أمريكا ولم أستطيع ترك والدتي تخرجت وعملت ونسيت نفسي ومرت السنين ولم أشعر بالوقت .
ماذا عنك لماذا لم تتزوج وتبني عائلة ؟
رد عليها طارق لأني باختصار لم أجد حب حياتي أو الشخص الذي يجذبني إليه لابني معه حياتي كما أنك ذكرتي بأن الحياة سرقتني ومرت السنين ولم أنتبه أني في التاسعة والثلاثين ومازلت وحيداً من غير أبناء وبعيدا عن وطني وبعيداً عن كل أحلام الشباب التي حلمت بها .
سألته لمياء وما هي أحلام الشباب ؟
طارق أن يكون لي عائلة زوجة أحبها وتحبني منزل جميل في بلدي فقد كرهت غربتي وكرهت وحدتي .
لمياء هل تفكر بالرجوع للوطن ؟
طارق بكل جدية نعم , إذا وجدت حب عمري مستعد للرجوع لو أرادات هي .
لمياء هل وجدتها إذن أراك متحمس للفكرة .
طارق أعتقد أني وجدت شخص مميز , ولكني مازالت لا أعلم ماذا عنها .
لمياء صارحها لا يوجد هناك وقت لتضيعه يكفي ما ضاع .
صمت طارق ثم قال لها سوف افعل صدقيني يا لمياء قريباً جداً .
وأكملا غدائهما , واستمرت علاقتهم تتطور بشكل تدريجي وجميل صارحا بعضهما بكل أحلامهما وطموحاتهما انتهى شهر سبتمبر وجاء شهر أكتوبر وباقي لانتهاء إجازة لمياء وتنهي أسبوعين , كانت تستعد خلالها للعودة , جلبت الهدايا لروان وأمها لصديقاتها المقربات لم تنسى سارا ولم تنسى هيثم .
وكان فيصل وهاجر يشعروا بالضيق لآن الضيفة الخفيفة سترحل ويعود المنزل لروتين الحياة المملة .
                                                                     (11)
كلمت لمياء روان بالهاتف واخبرتها بموعد عودتها , فرحت روان كثيراً لقد اشتاقت للمياء والمنزل كان يبدو فارغاً وكبيراً أكثر من غير لمياء فيه , اتصلت روان على وليد لتخبره بعودة لمياء رد عليها بتململ كعادته بالفترة الأخيرة لم يعجبها وضعه شعرت بالضيق أقفلت الهاتف , وفتحت الابتوب دخلت على حسابه بالفيسبوك  رأته يتحدث هناك على الحائط مع فتاة لا تحبها منذ فترة كان يضحك ويمزح معها ومازالت التعليقات مستمرة وكان مزاجه فرح ليس كما كان يكلمها فتشت حائطه ورأت المزيد من
التعليقات رأت كمية البنات التي يتحدث معهن رأت أسلوبه معهن , واحدة يناديها حياتي والأخرى حبيبتي وكان في هذا الوقت يتجاهلها حتى لا يحاول أن يسأل عنها , لقد مل منها وهي ملت منه ومن معاملته السيئة . اتصلت على سهى وكانت تبكي بحرقة وتشكي معاملة وليد حاولت سهى تهدئتها
روان اهدئي لا تجعلي أي إنسان يبكيكِ   .
روان لا استطيع هو ليس أي إنسان هو أول حب في حياتي لقد أحببته وثقت به , كنت معه وقت حزنه قبل فرحه لماذا يعاملني هكذا , هو يخونني أليس كذلك يا سهى أجيبيني ؟ افتحي الابتوب وشاهدي بنفسك يا سهى .
سهى حسناً سأري الآن, فتحت سهى الابتوب وراقبتا معاً تحركات وليد وكلامه مع صديقاته ولاحظت سهى طريقة كلامه مع واحدة من هؤلاء الفتيات بالذات لم تعرف ماذا تقول لصديقتها المقربة بأنه نعم قد مل ويريد تركك أم تصمت . روان اسمعي تحدثي مع وليد بصراحة واسأليه عن شعوره تجاهكِ هل تغير ؟ لا تعلقي نفسك في وهم وسراب وهو ربما يلعب بكِ .
أقفلت روان مع سهى وكانت تنوي الانتهاء من هذه القصة كلها. 

بعد فترة انقطاع طويلة بين سارا وهشام , لم تجد سارا طريقة لتعود وتجدد علاقتها به فقد كانت تسأل عنه عن طريق أصدقائهم المشتركين , واستمرت هي في عملها دون كلل أو ملل , فقد كانت تلهي نفسها بشغلها وبصدقاتها بهيثم الذي وقف جنبها حتى عندما علم عن حبها لم يتركها وكان يحاول دائماً مواساتها وإضحاكها وإعطائها الأمل الذي فقدته منذ فترة .

التقت لمياء بطارق وأخبرته أنها تستعد للعودة وبأنها تقريباً انتهت من كل الترتيبات وأنها سوف تفتقد كل أيامها في أمريكا مع فيصل وعائلته ومعه , ففي أخر فترة توطدت علاقاتهما بشكل كبير ,  شعرا بالانجذاب والحب والراحة والطمأنينة , فقد كان يحدثها طارق بكل شئ  يطلب نصحها يخبرها عن مشاكل عمله وعن أصدقائه عن الحياة ومرارتها وحلاوتها .
تشجع طارق وقال لها لمياء هل تذكرين أننا في مرة قد تحدثنا عن أني ربما أكون قد وجدت المرأة المناسبة لي ؟
أجابته لمياء وهي تشعر بتلميحه لها نعم أذكر , طارق وتذكرين بأنك قلتي لي أن  أ صارحها ولا أضيع أي وقت .
وهنا سألها طارق وقد ابتسم وشعر بأنه حلمه قد اقترب ليصبح حقيقة لمياء هل تتزوجيني ؟
ابتسمت لمياء واخفضت عينيها والخجل بادي عليها تلبكت لم تعرف ماذا تقول فضلت الصمت .
طارق أرجوك لمياء أجيبيني !
لمياء بصوت منخفض طارق أنت إنسان لا يرفض تعرف ذلك .
طارق ولكن ؟
لمياء اسأل فيصل كما أني لا استطيع ترك روان وأمي يا طارق
طارق لن تتركيهم سنعود كلنا لنعيش هناك , سوف أنقل بعض أعمالي هناك ولدي هنا مدير أعمال يهتم بالباقي .
ضحكت  وقلبها كان يرجف من سعادتها لم تعرف ماذا تجيب أرادات أن تصرخ بنعم ولكن خجلها منعها أرادات أن تقول أخيراً يا طارق  , أخيراً أتيت لقد انتظرتك منذ زمن بعيد . شكرت ربها في قلبها شكرته كثيراً على طارق , طارق الذي عوضها سنين عمرها وسنين انتظارها لقد تحبه ! نعم تحبه أحبت رجولته شخصيته طيبته وقفته معها ومع شقيقها أحبت كيف احتواها وكيف استطاع أن ينسيها كل شئ أن ينسيها احمد ..... أم ترى هي قد نسيت احمد قبل أن تعرف طارق لأنها قررت أن تنساه وقررت أن تكون أقوى من الوهم والسراب والركض وراء مجرد أشلاء ذكرى قد ماتت منذ سنين , لقد أخرجت نفسها من حبه العقيم ورأت الدنيا لأول مرة بلونها الحقيقي رأت البشر والضحك والفرح ورأت الحزن ولكن كل شئ بحجمه الطبيعي .
آه يا طارق لقد بعثك الله لي لتأخذ بيدي وتخبرني بأني لم أمت بعد وبأني مازالت في شبابي ومازالت استطيع الحب ويستطيع قلبي أن يدق بأني استطيع التنفس والخروج من شرنقتي التي صنعتها بنفسي حولي .

رحب فيصل بفكرة الارتباط وفرح بشكل كبير أغز صديق لديه الذي كان بمثابة شقيقه وأخته الحبيبة لقد اطمئن أخيراً على لمياء , أقاما حفل بسيط بعد اخذ المباركة من والدة لمياء وروان واتفقوا على إقامة حفلة  العرس في ارض الوطن .

علمت روان بخبر خطبة لمياء رقصت فرحاً وقلبها دامي وممتلئ بالجراح لقد تحدثت مع وليد وصارحها بأن مشاعره تجاهها فترت وأن هناك كلام وقيل وقال بين أصدقائهم جعل الجمود والبرود يكبر بينهما لقد اتفقا ان يزيلا حالة الارتباط التي على الفيسبوك . عادت روان عزباء وعينيها مليئة بالدموع وقلبها البرئ مكسور خرجت من تجربة حبها الأول وعادت وحيدة من غير رفيق او حبيب وعاد وليد ليمارس نشاطه مع صديقاته رغم أنه شعر بالحزن على روان وتمنى لو أن بيده وظل يحبها فهي كانت بالنسبة له أول حب حقيقي وأول فتاة بطيبتها وعفويتها يقابلها وهو يعرف أنه لن يجد مثلها أبداً .
                                                                     (12)
اتصلت شهد على سارا وطلبت أن تزورها في منزلها ورحبت سارا بهذه الزيارة فهي لم تكن تعرف ماذا ينتظرها , قدمت شهد وهي تبدو حزينة مرتبكة لأول مرة مع سارا  , تحدثا قليلاً ثم سألت سارا شهد ما بك ؟ لا تبدين طبيعية ؟
صمتت شهد ثم قالت لا أعلم ماذا أقول لك يا سارا .
سارا أرجوك قولي لقد أخفتني قولي ماذا هناك ؟

شهد  كيف علاقتك مع هشام ؟
سارا لم احدثه منذ مدة طويلة ربما شهر أو أكثر ماذا حدث له هل هو بخير أجيبيني أرجوكِ
شهد هو بخير يا سارا لا تقلقي بل هو أفضل منا جمعياً
سارا إذن ماذا حدث ؟
شهد لقد خطب .........
نزلت دموع سارا من غير إدراك لماذا تبكي وهي كانت تعلم بأن هذا اليوم قادم لا محالة ولكنه ألم يقل لها أن قلبه مقفل .
سارا متى تعرف إليها وكيف أحبها وكيف حدث كل ذلك ؟
شهد كل الذي أعلمه أنها صغيرة عمرها 21 سنة مازالت تدرس في الجامعة تعرف عليها عند ا\أصدقاء لهم تحدثا قليلا ثم خطبها والشلة ستقيم حفلة لهم غداً للمباركة لهما .
صمتت سارا وظلت هكذا لا تتكلم .
شهد ستأتي طبعاً لتباركي لهما . سارا لا استطيع سأموت .
شهد هل جننتي كوني قوية يا سارا لا تجعليه ينتصر عليك لا تجعلي أي أحد يشك فيك وفي حبك له لا تجعلي أحد يشمت بك , سنذهب أنا وأنت ونلبس أحسن ما لدينا ونبارك ونضحك ونرقص لو لزم الأمر سأكون معك يا سارا لن أتركك .
سارا حسناً سوف أتي وظلت صامتة لم تبكي ولم تنوح بل ظلت صامتة تحدثت شهد طويلا تقويها لم تسمع منها شيئاً لم تفهم منها شيئاً . حتى انصرفت شهد .
قامت سارا وأقفلت باب غرفتها لعنت حظها كرهت نفسها سنتين من عمرها ضاعت على أمل .
أحست بالدموع تجري على خدها شعرت بأن ناراً تأكلها وبركان سوف ينفجر من داخلها حبها له وخوفها عليه كل و الأهم من ذلك انتظارها له ....
لقد أحبت شعور الانتظار... بأنه سيأتي اليوم ليكون لها ويخبرها بحبه وينظر لعينها ليقول أنا لكِ يا سارا , لقد فقدت هذا الأمل فقدت حتى حقها بالحلم  بأن تكون  معه لقد أصبح لغيرها ورقصتها معه ليست لها وانتظارها لترتمي بين ذارعيه ليست من حقها , لن يأتي اليوم لتشعر بحرارة جسده , ولن يأتي اليوم لتقولها له لتقول أحبك ......
كل ذلك فقدته , وحتى أحلامها أصبحت من بعده حزينة , حتى دموعها أصبحت جريحة .

......... عادت لمياء مع طارق إلى أرض الوطن ذهب طارق إلى الفندق وتوجهت لمياء إلى بيتها سعيدة كأنها فراشة وقعت في مخزن رحيق , غاصت في أحضان أمها  اشتاقت لرائحتها ورائحة بيتها , رأتها روان ركضت عليها حضنتها بقوة وبكت روان بشدة بكت شوقها لأختها وبكت شوقها لوليد بكت جرح قلبها الصغير وبكت وجع الحياة المرير بكت كل ألام الحب وهي مازالت في التاسعة عشر , لماذا عاشت هذا الحب لماذا جربت طعمه الحلو ؟ لتشعر بشدة مرارته,  لماذا أحبت ؟ فقد كانت بالأمس طفلة تلعب وتركض , لماذا عاشت وجع الحب ووجع القلب بكت كل هذا على صدر لمياء التي تفاجأت بشدة بكاها هدتها وطمأنتها  :روان لن أسافر مرة أخرى  فقد في شهر العسل طبعا فقد اتفقت أنا وطارق أنه سيشتري فيلا أكبر ونعيش فيها كلنا لا تقلقي يا رورو ولا تبكي أرجوك بكائكِ يحزنني وأنا أريد أن أفرح أنا عروستكم لا بد أن تكون كل طلباتي مجابة , ضحكت لمياء وضحكت روان من بين دموعها ونسيت همها وقالت ليس لدينا وقت السوق ثم السوق ثم السوق , مجال إبداعي يا لولو , الحياة تستمر ومن بين الألم يأتي الفرح ومن الوجع نجد الفرج .

اتصلت سارا على هيثم لتخبره أنها تحتاج إليه في حفلة خطوبة صديق لها ولشهد وتمنت أن يوافق , فرح هيثم بدعوة سارا وقبلها واتفقا ليمر عليها ويقلها هي وشهد .

يوم الحفلة استعدت سارا ولبست فستان اسود طويل مفتوح الظهر رفعت شعرها فقد كان هشام يحبه منسدل على ظهرها استعدت وهي تكتم دموعها وتبلع حسرتها في كل حركة كانت تقوم بها لتجمل نفسها كرهته وكرهت حبها له لقد كانت له الصديقة والرفيقة.  حرمت نفسها أي حب أخر وحرمت نفسها حتى مجرد الفرح وهي بعيدة عنه كان سعادتها وحزنها حبها وكرهها اجتمع فيه كل متناقضات الحياة.
وصل هيثم وأقلها هي وشهد ظلت صامتة طوال الطريق , لم تتحدث لم تضحك لم تبتسم حتى لم تبكي أو تفكر في شئ كانت فقد صامتة ضائعة في حياتها اعتقدت أن كل شي انتهى وكل أحلامها تحولت إلى كوابيس ولكنها فقد كانت صامته .
نزلوا جمعياً من السيارة شهد ظلت تتحدث إلى سارا تقويها بكل الكلام الذي يقال في هذه اللحظات فهي ليست نهاية حياتك يا سارا , أنت تستحقي الأفضل , ليس من نصيبك , لقد لعب بك , لكن سارا لم تفهم شي من كلامها فقد كانت تومئ برأسها وتبتسم وتطمئنها بأنها بخير .
وصلتا وهيثم إلى طاولة جلسوا مع أصدقاء مشتركين لهم ضحكت سارا تكلمت قالت نكات استغربت نفسها وقوتها ولكن حينما رأت هشام مع فتاته الجديدة , كل ذلك انهار فجأة أحست بنغزات في صدرها , فقد جاء وقت الحسم وقت استرداد كرامتها وقفت وتوجهت إليه , وصلت عنده نظرت لعينيه لم تجد فيهم حب لفتاته بل نظرات لهفة ليطمئن عليها استغربت هذه النظرات ! أم أنها فقد عقلها واختلط عليها تفسير المشاعر ؟
ولكنها تعرف نظرته إليها مستحيل تخطئها . مدت يدها إليه ابتسمت وقالت له بصوتها العذب
هشام مبروك . رد هشام بصوت منخفض كان يبدو حزيناً وبابتسامه مغتصبة بارك الله فيكِ سارا وإن شاء الله نفرح بكِ قريباً .
ردت سارا بكل هدوء وابتسامتها مازالت تلوح في الأفق شكراً لكَ هشام ولكنك تعرف أني لا أريد .
هشام لا تقولي ذلك سيأتي هذا اليوم لأن من يستحقك ينتظرك .
سارا لا أعتقد أن هناك من يستحقني يا هشام صدقني و ازدادت ابتسامتها وهذا ليس غرور أنت تعرفني ولكن لا يوجد
هشام أعلم بأنه ليس غرور وأنا أحسده منذ ألان.
اه يا هشام كلامك ونظراتك شعورك وأحوالك معي تقول أشياء وواقعك يفعل بي أشياء
لماذا هذا التناقض ؟ أ لان قلبك مغلق ألانك أحببت وخانتك حبيبتك وتركتك تصارع مشاعرك المتناقضة أخبرتني يوماً أنك لن تتزوج إنسانه تحبها ولكنك ستتزوج لمجرد الفكرة وها أنت نفذت ما قلت .
سألته سارا وهل تحبها ؟
أجابها نعم ولمن عادي !
سارا كيف يعني عادي ؟
هشام : أحبها نعم ولكن عادي يعني فتاة تعودت عليها واشعر أنها مناسبة .
وهنا قدمت خطيبته نهلة نظرت إلى سارا بنظرة عداوة وكأنها علمت بأن سارا كانت منافستها أو مازالت تحمل في قلبها الكثير لهشام.
سلمت عليها ببرود وردت سارا البرود مع ابتسامه جميلة ومباركة بسيطة لم تتكلف ولم تتصنع ولم تبالغ أدارت ظهرها وسارت في طريقها للنسيان أو لمحاولة النسيان هل هذه من تركتني بسببها فتاة صغيرة لم تكن تنافس سارا بشي لا في الجمال ولا في الشخصية فقد كانت صاحبة شخصية باهته وأحاديث سخيفة , أم أنها غيرة النساء التي صورت لسارا أنها هي الأفضل , ولكن لا تفرق من يكون الأفضل فقد فازت هي بهشام وخسرت سارا حب حياتها
رآها هيثم وتأكد من أن هشام هو الحاجز بينه وبين سارا , أمسك يدها وهمس بهدوء هيا بنا لنعود إلى المنزل
نظرت إليه وعرفت أن هيثم قد فهم ما بها هزت رأسها موافقة , عادت لصمتها عادت تتخيل هشام بين أحضان نهلة فتاته الصغيرة تخيلته يرقص معها رقصتها التي طالما حلمت بها , و رأت يده تغوص في خصل شعرها وتربت على كتفها , تمسح دموعها وقت حزنها ورأته يضحك على كلامها كما كان يفعل , لا تدري لماذا شعرت بحرارة في يدها وارتجفت فقد تذكرت لمساته إليها وهمساته إليها ونظراته إليها تذكرت عباراته حبيبتي , سارا , سارونتي , اشتقت إليك , لم تسألي عني , إني متعب ولم يجعلني أحد أنسى تعبي غيرك يا سارا  , رأت كل أيامها معه لقد فهمت معنى الحركة البطيئة التي تأتي في الأفلام لقد فهمت معنى أن يرى الإنسان شريط ذكرياته أمامه .
غنت في رأسها (( لوعني غرامك , صور لي الغالي بيلبقلك ... رخصّت الغالي )) وتمنت أن تكمل الأغنية لتقول أنا ما اشتقت لك بالمرة ولا ايامك مرة فتش عن حالي )) لكنها كنت بالفعل مشتاقة إليه حتى قبل بعدها عنه.
                                                                     (13)
لم يتحدث هيثم معها ظل صامتاً وكرهه يزداد لهشام وقلبه يتقطع على سارا ما تمر به يفهمه يفهم معنى أن تحب شخصاً ليس لك ولا يحبك .
نزلت سارا من سيارته , توجهت إلى غرفتها بدلت ملابسها واستلقت على الأرض نظرت إلى أعلى , توقفت عن التفكير أم أن التفكير قد مل منها , أغمضت عينيها نامت لا تدري كيف رغم الألم والجرح نمارس حياتنا

اقترب موعد زفاف لمياء وطارق وكان منزلها ممتلئ بالأصدقاء والأهل وقد حضر فيصل وعائلته من أمريكا الكل كان سعيداً فهذه لمياء  كانت تمشي روان في أروقة منزلها وتسمع أحاديث الغيرانين كيف استطاعت أن تجذب رجل أعمال في منصبه , لا ويأتي للعيش معها ولم يكن متزوج من قبل , وهي كبيرة هي ليست صغيرة قد تبدو في أواخر العشرينات لكنها أكبر صدقوني سبحان الله نصيبها هي تعرف كيف تجذب الرجال لا بد من ذلك
كانت روان تسمع هذه الأحاديث وتستشيط غضباً من الغيورات النمامات ولكنها في نفس الوقت مرت أمامهم وضحكت بصوت عالي  وسلمت عليهم وقالت لمياء ملكة ومن يأخذها لا بد أن يحمد ربه على أكبر نعمة ستكون بحياته ومشت وتركتهم في حالة ذهول .

أخذت لمياء إجازة طويلة من عملها واستلم هيثم مكانها , والكل كان سعيداً لها ولكن حزين على فراقها الطويل بالرغم أنها طمأنتهم أنها ستعود لا محالة فالعمل حياتها ولكن تريد أن تستقر وتعوض سنين عمرها.

أتى يوم الفرح كانت لمياء في قمة جمالها لبست فستان ناعم من لون اللؤلؤ وتسريحة شعر بسيطة مرفوعة  يبدو شعرها فيه طبيعي لأقصى درجة ومكياج قوي أظهرها كأنها ملكة فعلاً , أما طارق فقد كانت سعادته تكفيه ليبدو أميرها فقد كان أنيق كعادته طلته أسره  وعيناه تلمعان فرحاً .
تجمع الأهل والأحباب جاءت سارا وهيثم شهد وكل زملائها بالشركة والكل كان يضحك ويتحدث ويرقص لكن كان فرحاً متكامل , رقصت روان وضحكت رغم أنها في لحظة عاد إلى ذاكرتها وليد وعادت لتشعر بالحنين لتكون مع شخص يهتم بها ولكنها بعد خمس دقائق نسيت وعادت لترقص .
أما هيثم فقد كان يبدو حزيناً  على غير عادته , نظر إلى سارا وهمس لها هل انتهت أوراق بعثتك ؟
سارا : نعم الحمد لله والسفر سيكون بعد غد كما أخبرتك .
هيثم لا أصدق لماذا فعلت ذلك !
سارا : والله حلم حياتي أن أكمل دراستي وهي فرصة جاءتني ولن أضيعها
هيثم سنفتقدك كلنا .
سارا وأنا أيضاً .
قاموا ورقصوا وسلمت سارا على لمياء وحضنتها بقوة تمنت لها كل السعادة وغمزت لها لمياء حسناً يا دكتورة سأراك في بريطانيا سأجعل طارق يمر بي هناك لأسلم عليك فقط وضحكت
 سارا : انتظرك يا لولو .

جاء موعد سفر سارا ودعت أهلها ورأت دموع أمها وحزن أبيها وإخوتها الصغار ولكن كل ذلك لا يثنيها  عن قرارها
وصل هيثم وشهد إلى المطار لتوديعها عندما رأتهم صرخت فرحاً قبلت شهد رغم بكاء الأخيرة إلا أنها شجعتها لتواصل حلمها كما أن سنه أو سنتين ليست مدة طويلة . س
سارا : هيثم لا أعلم ماذا أقول لك ولكنك خير صديق ورفيق أنت رجل بمعنى الكلمة لم تتركني عندما كنت في أسوء حالاتي أنت كنز لن أفرط به
رد هيثم بحزن وأنت سارا أفضل من رأيت يكفيني طيبة قلبك وضحكتك وشعور السلام الذي تنشريه في أي مكان تكوني فيه , ارجعي لنا بسرعة أرجوك .
شهد كانت تبكي بين ذراعي سارا فهي ستبتعد عن رفيقتها وحبيبتها وكاتمة أسرارها لم تجدا الفتاتين كلام وكانت الدموع هي سيدة الموقف . أوصت سارا هيثم على شهد وشهد على هيثم قالت لهم أنتم أجمل من مر بحياتي رعاكم الله وأدارت ظهرها بسرعة ومشيت نزلت دموعها  اختنقت فقد تركت أصدقاء عمرها وحب حياتها تركت شهد وهيثم وتركت هشام  مازالت تحبه ومازال اسمه يخنقها تركت ماضيها , وسارت لتحقق مستقبلها , سارت وهي لا تعلم إن كانت ستنسى يوماً ما أعطاها من ذكريات من همسات من كلمات حتى لو كانت قليلة , لا تعلم إن كانت ستنسى يوماً سنتين مرت في حبه المستحيل , جلست على مقعدها في الطائرة وتحركت أمسكت قلم وورقة وكتبت
:-
أحببتك من غير تفكير

أحببتك من غير أمل بغد أو حتى تبرير
أحببتك لأني أردتك أن تكون لي
لم اعرف ما لذي جذبني إليك ؟ 
لماذا أنت ؟
ما لذي يميزك عن غيرك ؟
أحببتك واعرف أن بيننا مسافات المكان !
وحواجز الزمان !
وفرقة الأيام
واختلاف الساعات
أحببتك رغم البعد والجراح 

ورغم اختلاف البيئات
أحببتك رغم معرفتي بالمستحيل بيننا
إلا أنني اشتاق إليك
لضمة من عينيك
ولمسة من  يديك
وأشتاق لرائحة عطرك
وتفاصيل جسدك
ومعالم الغد معك
أحببتك واعرف  انك مستقبل غيري وحاضره .

أغلقت سارا دفتر ذكرياتها أسندت رأسها للوراء أغمضت عينيها وذهبت للمجهول. 








بقلم --------> هاجان هاشم

التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية